من منجـزات المسلمين العلميـة...
ونريد الآن أن نؤشر فحسب على عدد من الإضافات الإسلامية في بعض الحقول العلمية الصرفة.. أما الإنجازات بتفاصيلها فيمكن أن يجدها القارئ في أكثر من كتاب..
.. في الرياضيات : أسهم المسلمون في إغناء المعرفة الإنسانية، وقد تابعوا دراسة علم الحساب إلى مدى بعيد.. فالدولة الإسلامية تطلبت تقديرات حسابية لتنفيذ أحكام الزكاة والجزية والخراج وتقسيم الإرث.. كما نص على ذلك القرآن الكريم..
في الجبر برز
محمد بن موسى الخوارزمي [ توفي 850 م ] الذي يعود إليه تأسيس علم الجبر وهو الذي تعمق في هـذا العلم مدى أبعد من الإغريق وكتابه " كتاب الجبر والمقابلة " قدم للعالم تعبيرا خاصا عن هـذا الفرع من الرياضيات.. ويعد كتابه أفضل كتاب في مادة الجبر حتى الأزمنة الحديثة.
وأدخل
البتاني [ توفي عام 929 م ] النسبة في علم المثلثات كما هـي معروفة اليوم وتبعه عالم عربي لامع في الرياضيات هـو
أبو الوفا [ توفي 997 م ] الذي اكتشف معادلة لجمع الزوايا.. وهو الذي
[ ص: 77 ] اكتشف أيضا الخط الذي يقطع القوس،
أما الهندسة فقد كانت متقدمة عند المسلمين، وهم الذين استخدموها في مجالات عملية كالمساحة وإنشاء طواحين الماء إضافة إلى استخدامهم إياها كثيرا في أغراض الزينة في فنهم، ولعل أهم إسهام للعرب في حقل الرياضيات كان إدخالهم الرموز التي سموها " الأرقام الهندية " .. والمسلمون الذين بسطوها وجعلوها طيعة بحيث قبلها العالم على مر العصور.
** في الفيزياء:
عارض
ابن الهيثم [ توفي 1039 م ] الذي برز في علم البصريات ؛
إقليدس وبطليموس في زعمهما أن العين ترسل إشعاعات إلى الشيء المنظور تمكن من رؤيته وأصر على أن عملية الرؤية تحدث عندما يرسل المنظور إشعاعات تدخل العين، وقد وجد لدى تفحصه قدرة القمر على الإشعاع أن القمر ليس بالجسم الصقيل كالمرآة، ومن ثم اكتشف أن جميع الأجسام الملونة تعكس الضوء، وأن الضوء واللون متطابقان، ولإثبات فرضياته قام بتجارب أدت به إلى اختراع آلة التصوير، وتشير الأبحاث الحديثة في مخطوطاته إلى أنه كان مدركا تمام الإدراك دور الرياضيات في نظريته في البصريات، وقد خلص الباحثون إلى اعتباره بكل جدارة مؤسس علم الفيزياء بالمعنى الحديث للكلمة.
أما
البيروني [ توفي 1050 م ] فقد اكتشف عن طريق التجربة عددا من الجاذبيات المحدودة بوساطة ما أسماه " المخروط " ويعد هـذا أول مقياس للثقل النوعي.
أما
الخازني [ توفي 1100 م ] فقد استخدم مقياسا للكثافة شبيها
[ ص: 78 ] بذلك المقياس الذي استخدم قديما في
الإسكندرية للتحري عن خواص السوائل، كما بحث مشكلة كثافة الماء عند منتصف الكرة الأرضية تلك المشكلة التي تناولها بعينها
روجر بيكون .
** في علم الفلك، الذي لقي ترحيبا كبيرا لدى المسلمين بسبب اهتمامهم " بعلم الميقات " الذي يحدد مواعيد الصلاة واتجاه
مكة المكرمة.. برز عدد من العلماء منهم :
الفزاري [ توفي 777 م ] الذي أنشأ الاصطرلاب، ثم
البتاني [ توفي 929 م ] الذي قام ببعض الأرصاد الفلكية الهامة وبعض المقاييس، وتبعه
عمر الخيام [ توفي 1123 م] الذي صمم تقويما جديدا هـو التقويم الجلالي، وقد أخطأ الخيام بيوم واحد في كل خمسة آلاف سنة، أما
أبو معشر [ توفي 886 م ] فقد بحث بشكل دقيق في العلاقة بين المد والجزر وحركة القمر.
إلا أن أهم إنجازات المسلمين في علم الفلك تتمثل في تصميمهم المرصد.
وعلى الرغم من أن الإغريق صمموا أدوات فلكية منها. الاصطرلاب إلا أن المرصد بشكله المخصص والمنظم لم يظهر للوجود إلا في العصر العباسي.. وقد استخدمت فيه أدوات من مثل : ذات الربع، والاصطرلاب، والمحلق، والكرات الهندسية..
** في الكيمياء: " حيث لم يستطع الأقدمون التمييز بينها وبين الصيدلية لعدة قرون " ، أجريت تجارب متقدمة وقطعت أشواطا أكبر مما تكهن به الإغريق، وبرز عدد من الكيماويين كان من أبرزهم :
جابر بن حيان [ توفي حوالي 815 م ] الذي أجرى عددا من
[ ص: 79 ] التجارب على المواد العضوية الحيوانية والنباتية.. وسجل ملاحظاته وتجاربه التي أدت إلى تحضير حامض الآزوت لأول مرة في التاريخن وقدم وصفا كاما لعميلة تحضير الفول،اذ وتصفية المعادن الأخرى، وعملية صبغ الأقمشة، ودباغة الجلود، والدهان لصنع الملابس الواقية من الماء، وكيفية حماية الحديد من الصدأ، كما عرف صناعة حامض الخل إلى جانب وصفه بدقة بعض العمليات الكيماوية كالتبلور والانحلال والتكرير.
وكان
الرازي رغم شهرته في ميداني الطب والفلسفة ذا قدم راسخة في مجال الكيمياء، إلا أن اهتمامه تركز على الكيمياء المختبرية أكثر من الكيمياء العامة وفرضياتها، وهو صاحب مذهب في دراسة الكيمياء، أخذ يوسع مجال المعرفة الكيماوية شيئا فشيئا بجهود الباحثين في هـذا المضمار، وقد استخدم عدة مواد في تجاربه منها : كل المعادن المعروفة في عصره، وهو أول من وضع نظاما لتصنيف الحيوان والنبات والمعدن.
هنالك أيضا
أبو منصور موفق أول كيماوي ميز بين كربونات الصوديوم وكربونات البوتاس، وقد شرح كيف يعطي الجص إذا سخن نوعا من الكلس لتضميد كسور العظام، وتعرف هـذه المادة اليوم بجص باريس، وتستخدم كثيرا في الصناعة وخاصة صناعة القوالب..
ولقد دأب الكيماويون المسلمون على تجاربهم بكل حرية إلى أن توصلوا إلى الكشوف العلمية التي أدت بدورها إلى تطور الكيمياء بشكلها المعاصر.
** في علم النبات : نلتقي بعالم الطبيعة القرطبي
أبو جعفر [ ص: 80 ] الغافقي [ توفي 1165 م ] الذي قام بجمع مجموعات من النباتات من
إسبانيا وشمالي أفريقيا، وأطلق عليها تسميات بالعربية واللاتينية والبربرية، ووضعها بدقة في كتابه " الأدوية المفردة " ، كما نلتقي بالصيدلي وعالم النبات العظيم
ابن البيطار [ توفي 1248 م ] الذي اعتمد في كتابه على أعمال الغافقي، وارتحل إلى شمالي أفريقيا وإلى
سورية باحثا في حياة النباتات، وقد ذاعت شهرته من خلال كتابيه " المغني في الأدوية المفردة " و " الجامع في الأدوية المفردة " اللذين يبحث أولهما في المواد الطبيعية، ويبحث ثانيهما في الحيوان والنباتات والمواد المعدنية ذات الخواص الطبية، وقد صب عنايته على المعلومات التي زوده بها سابقوه، ولكنه أضاف ثلاثمائة مادة جديدة إلى المواد المكتشفة سابقا، وعددها ألف وأربعمائة
** في الطب: اقتبس الأطباء المسلمون عن الإغريق النظريات الطبية التي تشكل قاعدة ثابتة ومرضية لعلاج المرضى، إلا أن الأطباء المسلمين ركزوا على الأمور العملية بدلا من النظرية في العلاج الطبي، وقاموا بكثير من الاكتشافات الطبية، وأحرزوا تقدما كبيرا في فن الاستطباب ، وكان من أشهر هـؤلاء الأطباء:
الزهراوي [ توفي 925 م ] الذي كان أول من ميز بين مرضي الجدري والحصبة، وذلك في كتابه " الحصبة والجدري " ، أما كتابه الكبير " الحاوي " فيعتبر موسوعة طبية يلخص فيه معارف الإغريق والفرس والهنود في الطب، ويضيف بعدها ملاحظاته الشخصية.. أما في طب العيون فهنالك
على بن عيسى وعمار الموصلي وكلاهما عاش في
[ ص: 81 ] النصف الأول من القرن الحادي عشر " ، وقد ألف كل منهما الكتب حول الطب، ووسعا دائرة المعرفة الطبية اليونانية، وأضافا التعليمات العديدة حول إجراء العمليات، كما أضافا ملاحظاتهما الشخصية...
وإلى الأطباء المسلمين يعود اختراع الأدوات الجراحية ونظام فحص المريض بشكل كامل، ووصف العديد من الحالات الطبية والأمراض، كما كانوا يملكون موهبة نظرية وعملية في تصنيف علوم الطب وتقديم نتائجهم في كتاب عملي واضح للطلاب وللأطباء معا، غير أن أكبر إنجاز طبي للمسلمين يتجلى في إنشاء المستشفيات وإدارتهم إياها على أكمل وجه، وفق نظام دقيق لا يزال يعمل به حتى الآن.
** في علم الجغرافيا : صحح المسلمون في كثير من الأحيان معطيات الجغرافيا الإغريقية بعد أن قام الرحالة المسلمون بكشوفهم الجديدة في الأصقاع البعيدة؛ وقد امتد شمول علم الجغرافية العربي من
الجزائر إلى
الخالدات غربا إلى
كوريا ، واحتمال وجود
اليابان شرقا، وأصدر الجغرافيون الكتب التي تصف الطرق والمدن الإسلامية، وأسهموا في توسيع مجال علم الجغرافيا ومن أبرز هـؤلاء:
المقدسي [ توفي 1000 م ] في كتابه " أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم " الذي تضمن بحوثا في المناجم واللغات المحلية، وعروق البشر، والعادات القومية، والديانات، والأوزان، والمقاييس... إلخ.. كما كان هـناك جغرافيون هـامون في القرن العاشر هـم :
البلخي والإصطرخي وابن حوقل .
وعرف القرن الثاني عشر أعظم عمل جغرافي عربي منظم في كتاب " نزهة المشتاق في اختراق الآفاق "
للإدريسي [ توفي 1166 م ] الذي عمل في بلاط الملك النورماندي
روجر الثاني ملك
صقلية في
[ ص: 82 ] باليرمو ويضم كتابه العظيم أعمال الجغرافيين السابقين، كما يضم المعلومات التي رواها الرحالة، ويشير الكتاب إلى افتراض أن الأرض كروية... وبصورة عامة فإن أهمية الجغرافيين المسلمين تكمن في رسمهم الخرائط الجغرافية، ووصفهم التفصيلي لمناطق خاصة -أي الجغرافية المحلية- ويعود إليهم فضل حفظ النظرية القديمة القائلة بكروية الأرض
>[1]
.. أما في مجال العلوم التطبيقية: فيكفي أن نشير إلى دور الحضارة الإسلامية في تطوير استخدامات الري والميكانيك، وتحسين صناعة الورق، وتكرير السكر، واختراع البارود.
>[2] .. وغيرها الكثير...
وليس ثمة من داع لاستعراض أو حتى للإشارة إلى إسهامات المسلمين الكبيرة في حقول العلوم الإنسانية كالتاريخ، والاقتصاد،
[ ص: 83 ] والقانون، والسياسة، والتربية، والنفس، ومناهج البحث، والاجتماع، والنظم الإدارية، والآداب والفنون.. إلى آخره، وتأثيراتها في مجرى الحضارات البشرية وخاصة الحضارة الغربية فهي أوضح للعيان وأشد حضورا من أن يشار إليها أو يدلل عليها..