مقدمة
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هـادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، الذي ابتعثه الله رحمة للعالمين قال تعالى:
( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (الأنبياء: 107) والذي جعله ـوحده- محل الأسوة والقدوة، لأنه مسدد بالوحي ومؤيد به، وليس هـذا لأحد سواه فردا كان أو جماعة أو دولة، فكل إنسان يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هـذا القبر كما يقول
الإمام مالك رحمه الله .
وبعـد:
فهذا الكتاب الثامن في سلسلة (كتاب الأمة) - التي تصدرها رئاسة المحاكم الشرعية والشئون الدينية - بدولة قطرـ (نظرات في مسيرة العمل الإسلامي) يأتي استجابة لرغبات كثير من الإخوة الذين كتبوا إلينا يطالبون بضرورة إصدار (كلمة الأمة) ضمن سلسلة (كتاب الأمة) سواء ما جاء منها برسائل مستقلة أو ما تضمنته استمارات استطلاع الرأي..
ونسارع إلى القول: بأنها نظرات أو وجهات نظر، تأتي في إطار المحاولة الإسلامية للإصلاح وتسديد الخطا وتصويب المسيرة والتأكيد على أن العمل الإسلامي اليوم قد لا ينقصه الإخلاص - في كثير من الأحيان - وإنما الذي ينقصه ولا يزال يفتقد إليه هـو الصواب كشرط فني لازم،
[ ص: 12 ] وأحد طرفي المعادلة التي لا تتحصل النتيجة إلا بتحققه، ولا يتأتي هـذا إلا بالتعرف على السنن التي شرعها الله لحكم الحياة والأحياء، وحسن التعامل معها، والتحول من عقلية التبرير والتسويغ إلى منهج دراسة الخلل، وبيان أسباب ومواطن التقصير، وإغناء ساحة العمل الإسلامي بالدراسات النقدية التقويمية.
وحسبها أنها نظرات أو تأملات اجتهادية تقع في إطار المحاولة الإسلامية -كما أسلفناـ وليست هـي الإسلام المعصوم، فإن أصابت فبتوفيق من الله، وإن أخطأت فبسبب من ضعف البشر وقصورهم، ولا يجوز أن يحمل الخطأ على الإسلام بحال من الأحوال.
ونقصد بالعمل الإسلامي كل أصحاب الفاعلية الموجودين على الساحة الإسلامية، الذين يرون في الإسلام طريق الخلاص ويؤدون دورهم ويستشعرون مسئوليتهم تجاه ذلك بمختلف الوسائل المشروعة بمواقعهم المختلفة سواء انتظمتهم جماعات أو جمعيات أو مؤسسات ذات نظم معينة، أم لا.. بل قد نرى الإنسان المسلم مهما اختلف موقعه - إن كان يتمتع بفاعليةـ أحق بصفة العمل الإسلامي من الآخر الذي انطفأت فاعليته مهما كانت صفته لأن القضية اليوم قضية فاعلية مبصرة على الساحة الإسلامية وليست قضية رسوم وأشكال، ذلك أن التنظيمات والجماعات والمؤسسات إنما هـي وسائل ترجو أن تكون أكثر كسبا للقضية الإسلامية وإثارة للاقتداء وليست غاية بحد ذاتها أو مراكز احتكار للإسلام أو ساحة أقضية لإصدار الأحكام على الناس.. إن مهمتها الهداية وليست الجباية.. وهنا لا بد من الإشارة إلى بعض الملاحظات التي نراها ضرورية بين يدي الكتاب.
تركت الافتتاحيات (كلمة الأمة) - التي تم اختيارها كما هـي دون أية مداخلة من زيادة أو نقصان حفاظا على قيمتها التاريخية والظروف التي أوحت بها والاعتبارات التي حكمتها.
[ ص: 13 ]
لم يلتزم في ذلك الترتيب الزمني لكتابتها وإنما آثرنا الاختيار لما يمكن أن يقع ضمن إطار معين ويعالج قضايا متقاربة وأكثر إلحاحا.
لا شك أن لكل (كلمة) شخصيتها المتميزة المستقلة، لكن يشفع لها أنها جميعها ينتظمها سلك واحد وتعالج قضايا ضمن إطار المحاولة الإسلامية وفي ساحتها، من هـنا فإنها بطبيعتها تختلف عن الكتب المؤلفة ابتداء من بعض الوجوه.
قد يلمح القارئ فيها عودة لإلقاء أضواء إضافية أو لتعميق بعض الأبعاد بالنسبة لكثير من المفهومات، ولا نعتبر ذلك من قبيل التكرار بقدر ما هـو من طبيعة الكلام في القضايا المنهجية.
ونرى أنه من الأمور الضرورية للعاملين في الحقل الإسلامي - بعد أكثر من نصف قرن - أن تكون لهم وقفات للمراجعة واختبار المنهج ووسائل العمل وإخضاع العمل لنوع من التخطيط والدراسة وحساب الاحتمالات..
ونعتبر أن ما قدمناه في هـذا السبيل لا يشكل أكثر من نافذة أو خطوة على الطريق وليس لنا أن ندعي أننا بهذا نغطي قضايا العمل الإسلامي وجوانبه المتعددة ومشكلاته الكثيرة والمتشعبة كما قد يوحي بذلك العنوان، وإنما هـي بداية نرجو أن تكتمل بجهود إخوة ممن تهمهم القضية الإسلامية ويستشعرون مسئوليتهم في المناصحة.
ولعل من نافلة القول أن نذكر بحقنا في المناصحة وإغناء الموضوع بالملاحظات التي يمكن أن تستدرك في الطبعات القادمة.. ولسوف نتابع إصدار (كلمات الأمة) ضمن السلسة مستقبلا إن شاء الله. والله نسأل أن يلهمنا رشدنا..
عمر عبيد حسنة
الدوحة:[ذو الحجة :1404هـ - أيلول (سبتمبر) :1984م]
[ ص: 14 ]
هذه مجموعة ملاحظات أو تأملات في مسيرة العمل الإسلامي ووسائل الدعوة إلى الله لا ندعي لها العصمة من الخطأ كما لا ندعي لها الكمال، وإنما هـي النية الحسنة التي نعتصم بها ومسئولية المناصحة التي نستشعرها، ونرجو إن فاتنا الحصول على أجر المصيب فلا أقل من الحصول على أجر المخطئ، وذلك مساهمة منا في غناء الرؤية لتصويب مسار العمل الإسلامي وتحري الحكمة في الدعوة إلى سبيل الله ومحاولة الانتقال بمواقع العاملين والدعاة من عقلية التبرير إلى منهج دراسة أسباب التقصير، ذلك أننا نعتقد أننا المسئولون عن هـزائمنا وتخلفنا وعجزنا مهما حاول بعضنا الإلقاء بالتبعة على الآخرين، استجابة لخطاب التكليف وتحديد المسئولية في قوله تعالى:
( قل هـو من عند أنفسكم ) (آل عمران: 165) .
فليس العيب الوقوع في الخطأ فكل ابن آدم خطاء، وإنما العيب في الإصرار عليه وعدم الاعتبار به وتكراره ومجانبة الخيرية والوصول إلى توبة الفكر والسلوك - وخير الخطائين التوابون - والذي نرجوه أن لا تعتبر أية جهة أنها المقصودة فيحول ذلك دون الاستفادة والإفادة. ذلك أن هـذه الملاحظات لا تنتمي إلى أية جماعة أو جهة وإنما تنتمي إلى الإسلام بكل شموله ورحابته وتجيء من موقع الشعور بمسئولية النصح لله ورسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم. ولسوف نتابع في هـذه الملاحظات ما أمكننا ذلك، والله نسأل أن يلهمنا الإخلاص في العمل والسداد في الرأي وهو حسبنا.
[جمادى الأولى: 1404هـ - شباط (فبراير) 1984م]
[ ص: 15 ]