خلل في البنية الفكرية
ولا شك بأن الذي يراقب اقتتالنا وضحايانا وإصرارنا على إراقة دمائنا، وشدتنا وصمودنا في هـذه المعارك سوف لا يصدق أننا الذين هـزمهم يهود ولا يزالون يعانون من هـزيمتهم..
ولا شك عندنا أيضا أن هـذا الواقع الذي صرنا إليه دليل على وجود خلل في البنية الفكرية والطروحات العقيدية التي أثمرته مهما كانت دعاوانا عريضة، وأصواتنا مرتفعة بالادعاء أننا على النهج السليم، والدفاع عنه والقتال في سبيله؛ إنها عقيدية مدفوعة بالواقع الحزين، وإن استمرار قبولنا بها يعني قبولنا بهذا الواقع الذي نشكو منه جميعا، وعلى المستويات كلها، ومن أبسط الأمور في عالم العقلاء القيام بعمليات المراجعة بعد كل مرحلة نجاح أو إخفاق لتحديد أسباب النجاح للاحتفاظ بها وتنميتها والدفاع عنها، واستبيان أسباب الإخفاق ومواقع الخلل لاجتنابها.. إنه الاعتبار الذي أنعم الله به على الإنسان [ ص: 25 ] العاقل، وحرمه الحيوان الأعجم، إنه الاعتبار الذي لا بد من حضوره على مستوى الأفراد والجماعات والأمم والحكومات، ونحن أمة لم تنشأ من فراغ، ولم تتحرك طيلة تاريخها في فراغ أيضا، لكن ممارسات سلخها عن تاريخها وإقصائها عن عقيدتها من الاستعمار وجيل الاستعمار تركها في حالة العجز عن الاستفادة من هـذا التاريخ والاعتبار بحوادثه، وعن الالتزام بالعقيدة والاستجابة لمتطلباتها، والحكم على الأمور من خلال مقاييسها..
لقد قرئ تاريخنا لنا بأبجديات غريبة عنه، خاطئة في تفسيره، حتى كاد يصبح التاريخ الذي هـو أحد عوامل تكوين الأمة بعد هـذه القراءات المغلوطة عامل تمزيق وتفتيت، حيث إننا لم نر من تاريخنا إلا النقاط السود، ولم نبعث منه إلا الفتن غذاء يقتات به أعداء هـذه الأمة التي سقطت فريسة لتعدد الانتماءات وتعدد الولاءات، وأصبح بأسها بينها شديدا..
التالي
السابق