الانتماء والالتزام
ولقد أصبنا في تاريخنا الطويل بنكسات ونكبات وأيام سود وسنين عجاف، وضعف التزامنا بهذا الدين، وبالرغم من هـذا كله بقيت لنا وحدة الانتماء، وبقي لنا الإيمان بهذا الانتماء الذي كان مرتكز القادة والمفكرين والمصلحين وحاملي لواء التجديد والتغيير الاجتماعي..
هزم المسلمون سياسيا وعسكريا وبقي الإسلام علما وحضارة وتاريخا فكان درع صمود وعامل مواجهة، أما حالنا اليوم، فإننا لا نعاني، من فقدان الالتزام وبقاء الانتماء، وإنما من التذويب والذوبان الذي يقذف بنا إلى الضياع والمغالطات الفكرية والعقيدية والقراءة التاريخية الشاذة التي تفقدنا الالتزام والانتماء معا، فيكف نواجه الحالة الصعبة التي نحن عليها؟ حيث تختلف مرحلة سقوطنا الحضاري وانكسارنا العسكري، وتعدد انتماءاتنا عن مراحل الهزائم التاريخية، ولعل الطريق إلى الخلاص، الذي لا طريق سواه، إنما يكون بتصويت المسار، وتجديد عملية الانتماء لهذا الدين بشكل عام، والاعتزاز بقيمه، والالتزام بأحكامه، والانضباط بشرعه، والاستفادة من تاريخه.. [ ص: 26 ]
إن الإسلام الموحد الفاعل، الإسلام الذي صنع خير أمة أخرجت للناس، الذي فهمه السلف الصالح، فكان ما كان، هـو بالتأكيد غير الفهم الذي نحن عليه بواقعنا الراهن؛ فلا بد إذن من عودة الجماهير المسلمة إلى فهم وإدراك إسلامها بعد أن مارست عملية الانسلاخ عنه وبعد أن طال البعد وكثرت الدروس وقل الاعتبار.. وإلا فسوف نستمر في الطريق المسدود، ولسوف تستمر إسرائيل في قضم أطراف الجسم الإسلامي طرفا بعد آخر، وتنقلنا من معركة إلى أخرى، وتنسنا جراحاتنا السابقة، وتشغلنا بجراحات جديدة..
ولا نريد هـنا أن نتكلم عما أسمته إسرائيل بعملية أمن الجليل واجتياح لبنان تحت سمع العالم وبصره، وتعقب المقاومة الفلسطينية لإنهائها أو لإلغاء مقدرتها وتمزيقها، وإخراجها من لبنان، ومن ثم إشعال الألغام الطائفية ليبدأ تفجيرها هـنا وهناك، وتسيل الدماء أنهارا، ويكون من بعض وقودها المقاومة الفلسطينية للقضاء على البقية الباقية منها.. لأن الكلام عن ذلك كثر كثيرا، ومحاولات التدخل لإيقاف القتال أو إشعاله كثرت أيضا على المستوى العربي والدولي، ونفرح وفرحنا للوصول إلى وقف إطلاق النار التي أشعلناها بأيدينا، وفي أثناء ذلك كله - بين الإشعال والإطفاء - يخلو الجو لإسرائيل لتمارس عمليات التهويد، ولتمكن احتلالها للجنوب اللبناني ليشكل الضفة الشمالية بالنسبة ليهود، وتصبح القضية الجديدة: خروج يهود من لبنان أو من جنوبي لبنان بعد أن كانت القضية وجود يهود بفلسطين، وقبول العرب بالتقسيم، وانسحاب إسرائيل من سيناء عام 1956م. والمطالبة بعودة إسرائيل إلى حدود ما قبل عام 1967م. ومواجهة الاستيطان بغزة والضفة الغربية، أما الحديث عن التهويد الرسمي للجولان، والتهويد الثقافي للتعليم الذي يعد الأخطر في مجال التهويد والاحتلال والاستيطان فحديثه يطول..
سوف لا نتكلم عن الاقتتال الطائفي في لبنان، وهو الصورة التي صنعتها إسرائيل، وهي الأكثر سخونة الآن، وإنما نعرض للوجه الآخر للموضوع الذي غيبته عن الساحة أحداث لبنان واقتتاله الطائفي، نعرض لبعض أطماع يهود في جنوبي لبنان.. [ ص: 27 ]
التالي
السابق