الأطماع اليهودية في الجنوب اللبناني
لقد بدأ اليهود في التطلع إلى مصادر المياه في جنوبي لبنان في وقت مبكر، وبدءوا بشراء الأراضي بأثمان مغرية، وسقط في شركهم بعض كبار الملاك، وقد كتب (هرتزل) في مذكراته حول هـذا الأمر فقال:
(هؤلاء الذين يتعلقون عادة بالأرض هـم الملاك، إن كبار الملاك يغترون بالأسعار) ومارست بعض البنوك الأمريكية والسوفيتيةـ واليهود من ورائهاـ شراء بعض الأراضي، ولقد استطاعت المنظمة الصهيونية أن تعدل من الحدود بين لبنان وفلسطين لأول مرة سنة 1923م. باتفاق بين الدولتين المنتدبتين: فرنسا وانكلترا..
وبعد قيام الكيان الصهيوني أصبحت الأطماع الصهيونية في المياه اللبنانية تأخذ طابعا أكثر وضوحا، ففي عام 1951م صرح وزير خارجية إسرائيل لصحيفة (جيروزاليم بوست) :
(إننا لسنا من المهتمين بالنيل والفرات - الآن - ولكننا نولي الأردن ومنابعه كل اهتمام) وهذا يعني النية في احتلال حاصبيا وراشيا ومرجعيون وجزء من البقاع الغربي..
ومن أبلغ التصريحات التي تكشف عن نيات إسرائيل في الاستيلاء على مياه الليطاني ما قاله (ليفي أشكول) لصحيفة (لوموند) الفرنسية في السابع من تموز (يوليه) 1967م:
(.. إن إسرائيل العطشى لا يمكنها أن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى مياه الليطاني تذهب هـدرا إلى البحر، إن القنوات باتت جاهزة في إسرائيل لاستقبال مياه الليطاني)
وفي رسالة (بن جوريون) إلى الرئيس الفرنسي (ديجول) يقول: (.. إن أمنيتي في المستقبل جعل الليطاني حدود إسرائيل الشمالية) وبعد حرب 1967م صرح (موشيه دايان) قائلا: (.. إن حدود إسرائيل أصبحت طبيعية على جميع الجبهات باستثناء لبنان) . [ ص: 28 ]
وتواصل إسرائيل قضم الأراضي اللبنانية تحت شعار عملية السلام للجليل وتحقيق الأمن لحدودها الشمالية، والحقيقة أنها تهدف إلى تحقيق مطامع دينية توراتية واقتصادية حيوية في الأرض والمياه، وهذه العملية هـي استكمال لما بدأته عام 1948م إذ اقتطعت أرضا من العديسة ودير المياس وكفر كلا وجولا وميس الجبل..
وفي جنوبي لبنان تقيم إسرائيل تحصينات تذكر بخط (ماجينو) فضلا عن الرادارات ومحطات الإنذار المبكر التي تمتد من أعالي جبل الباروك حتى مصب نهر الأولي، إلى جانب المطارات العسكرية والتحصينات الأخرى، كما تحاول الآن شق طريق يصل قرية بسهي بجبل السيخ وصولا إلى عين شمس في مرتفعات الجولان المحتلة، ويمر هـذا الطريق بمشغرة وحاصبيا في البقاع الغربي، ويلاحظ أن أكثرية السكان في المناطق التي يمر بها الطريق هـم من الدروز، وبذلك يتحقق ما تعمل له إسرائيل من وجود الأحزمة الطائفية حولها..
والأخطر من ذلك كله: عملية التهويد العملي التي تمارسها إسرائيل في الجنوب، فهي تقوم بإعادة كتابة أسماء القرى هـناك باللغة العبرية، وتطمس الأسماء العربية لها، كما تقوم وحدة تابعة للجيش الإسرائيلي تدعى (وحدة المساعدات المدنية) بفتح المدارس لتعليم اللغة العبرية، وفي بعض المدارس الرسمية يفرض الإسرائيليون تدريس اللغة العبرية من قبل معلمين يكلفونهم بذلك..
لقد تحول اسم الجنوب اللبناني في لغة الأحزاب الدينية الإسرائيلية إلى (إسرائيل العليا) وفي لغة السياسيين إلى (الضفة الشمالية) والقليل من المراقبين يصدقون أن إسرائيل يمكن أن تنسحب من جنوبي لبنان بعد الآن..
التالي
السابق