فتح باب الحوار والمناصحة
وفي تقديرنا حتى نصل إلى الصورة الأفضل لوسائل العمل الإسلامي لا بد من فتح الباب على مصراعيه؛ بل وفتح النوافذ أيضا في العمل الإسلامي لعمليات الحوار والنقد والمناصحة، وليس فقط فتح الباب أمام ذلك وإنما التدريب عليه في أجواء العمل الإسلامي لتصب كل الخبرات في مجرى الحياة الإسلامية، ويستفاد من كل الطاقات، وتسدد كل الثغرات ويستشعر الأفراد جميعهم مسئولية الرقابة على العمل التي تحققها ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن العاملين للإسلام نواة المجتمع الإسلامي المنشود أحق بذلك من المجتمع بشكل عام بشرط أن تلتزم القاعدة التي تقول من كان آمرا بالمعروف فليكن أمره بمعروف.. ونستطيع القول:
إنه من فساد النظر: الاعتقاد بأن عملية النقد والمناصحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحدث تشويشا في الصف الإسلامي واضطرابا في العمل.. ذلك أن الصف أو الجماعة التي تخشى من الحوار وتخاف من المناصحة، ويلبس الشيطان على بعض أفرادها بأن الأمر بالمعروف ومحاربة المنكر يهدد كيانها، جماعة لا يوثق بها ولا تستحق البقاء، ولا تستأهل حمل رسالة الإسلام التي من أولى متطلباتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ففاقد الشيء لا يعطيه.
إن مطاردة عمليات المناصحة ومحاصرتها والقضاء عليها تنطوي على خطورة كبيرة تودي بأصل القضية في سبيل استبقاء الصورة الشكلية للعمل والدعوة، حيث تنقلب الوسيلة - التعاون في إطار الجماعة للوصول إلى قدر أكبر من الخيرـ غاية بحد ذاتها.
إن التسلط الفردي والإرهاب الفكري الذي يقع فيه أحيانا بعض العاملين للإسلام - عندما يغيب عن ساحة العمل البعد الإيماني الغيبي وما يقتضيه من خفض الجناح ولين الجانب والخلق الكريم - يؤدي إلى لون من التشرذم وضرب
[ ص: 36 ] من الطائفيات الجديدة، تتمزق معها رقعة التفكير وتنمو الجزئيات وتغيب الكليات ويضطرب سلم الأولويات ويضيع تصنيف المشكلات ويتوقف العمل المنتج وتنقلب الوسائل إلى غايات - كما أسلفنا - وتتمحور الصورة الإسلامية حول أشخاص لا ترى القضية الإسلامية إلا من خلالهم وينقلب جهد العمل إلى صناعة المبررات وتتغلب عملية صناعة التبرير على عقلية دراسة أسباب التقصير، ولا تعالج هـذه القضية إلا من خلال ممارسة الحرية الفكرية والحوار الشامل والتزام أدب الخلاف الإسلامي، وجعل المشروعية للمبادئ والأفكار وليس للوسائل والأشخاص.
إن العقيدة مقرها القلب ولا سلطان لأحد عليه إلا سلطان الدليل، والقناعة بالشيء هـي الدافع لممارسته، والله خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بأن الغاية من ابتعاثه إلحاق الرحمة بالعالمين.
قال تعالى:
( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) (الأنبياء: 107) ، وقال:
( لست عليهم بمصيطر ) (الغاشية: 22) ، وقال مخاطبا نبيه أيضا:
( ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك ) (آل عمران :199) . وهذه من الأبجديات الأولى في الدعوة إلى الله وإلحاق الرحمة بالعالمين.