التربية بالقدوة
إن الخلق الحسن والسلوك الخير هـو الذي يغري الناس بالإسلام وليس السوط والأثرة وحظوظ النفس.. فهل نعيد قراءة سلوكنا في العمل الإسلامي وطرائقنا في الدعوة إلى الله فيكون شعارنا
( واخفض جناحك للمؤمنين ) (الحجر: 88) فقد نقع على الطريق في علل الجوارح كما وقع أبونا
آدم ونتوب ولا ضير فهذا من طبيعة البشر، لكن الخطورة كل الخطورة أن نقع في علل النفوس من الكبر والعجب بالنفس كما سقط إبليس عندما قال:
( أنا خير منه ) (الأعراف: 12) .
[ ص: 37 ]
العمل الإسلامي تفاعل لا ينقطع وتدافع بين الحق والباطل لا يتوقف. قال تعالى:
( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) (الحج: 40) .
ومنهج الدين الحكيم أن يكون ذلك جدالا لا قتالا وتسلطا، وحوارا لا حربا واقتتالا، قال تعالى:
( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هـي أحسن ) (العنكبوت:46) فإذا كان هـذا أدب الجدال مع أهل الكتاب فكيف يجب أن يكون مع المسلمين المخالفين بوجهة النظر.
وطريقة هـذا الدين الدفع بالتي هـي أحسن والصبر الجميل والصفح والمسامحة حتى على الكيد والأذى. ومجتمعه وتجمعه هـو مجتمع البلاغ المبين، ونجاة العاملين لا تتحقق بالانسحاب من المجتمع والاستعلاء عليه، والنكوص عن عملية البلاغ المبين والنزول إلى المخابئ وتغييب سياسة الدعوة وممارسة العاملين وسلوكهم عن الأنظار الأمر الذي يعطل عملية البلاغ المبين ويؤدي إلى النمو غير الطبيعي، ويوقف الحوار ويعطل عملية الرقابة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باسم أمن الدعوة.
إن قضية الدعوة السرية لحماية الدعوة من أعدائها والتي توضع لها عادة بعض المسوغات والفلسفات المرضية نظريا ولا تلبث أن تزحف لتمارس على الدعوة نفسها وتحول دون أداء وظيفة التصويب الأساسية والرقابة العامة من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وبذلك يتكرر خرق السفينة من المستهمين فيها لعدم رؤيتهم والأخذ على أيديهم، ثم تنتهي إلى الغرق.
إن الدعوة إلى السرية لم تقتصر على مواجهة أعداء الدعوة ولم تتوقف عند عتبة الدعوة الإسلامية وإنما تسللت تحت اسم المصلحة إلى أجوائها فأصبحت ممرا لتقديم الولاءات وإبعاد الكفاءات عن مواطن الحل والعقد.
وكان أول ضحايا الدعوة إلى السرية مقومات العمل الإسلامي وليس أعداؤه.
[ ص: 38 ]
إن سياسة الخفاء كوسيلة من وسائل الدعوة ونشر هـذا الدين إلى جانب أنها تتعارض مع عملية البلاغ المبين مسئولية المسلم التي بها نجاته كما أسلفنا - فهي تتعارض مع الهدي النبوي حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يخرج لتجمعات الناس ويعرض دعوته على الوفود في موسم الحج وغيره، ويحتمل في سبيل ذلك الأذى وهو الأحوج إلى الأمن، ذلك أن إيذاء المشركين والمبطلين لدعاة الإسلام من لوازم الحق، وهو الثمن الذي لا بد منه للعقيدة، وفرق كبير بين من يدفع ثمن ثباته على العقيدة وبين من يقبض ثمن العقيدة، ولا نزال نذكر من سيرته صلى الله عليه وسلم عندما جمع المشركين عند الصفا ليقول لهم:
( إني رسول الله إليكم بين يدي عذاب أليم.. فقال أبو لهب: تبا لك.. ألهذا جمعتنا؟ ) وهديه في بيان أعظم الجهاد الذي هـو إظهار الحق وقولته أمام الإمام الظالم هـكذا جهارا نهارا لا خفاء فيه.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن من أعظم الجهاد قولة حق عند سلطان جائر ) .
إن مسئولية المسلم تتحدد بإظهار الحق والثبات عليه ولو كان ثمن ذلك حياته وليس شيئا آخر.
ويجب أن لا يغرب عن بالنا ما ألحقت الدعوات السرية والباطنية بالإسلام من كيد، وما لحق فكرها من انحراف وعقيدتها من زيغ، لأنها مشت في الأنفاق المظلمة ولم يكن هـناك سبيل للتصويب والحوار ورصد نتائجه باسم الحفاظ على الكيان والسرية والأمن؟