الاحتساب وعدم الاحتراف بالإسلام
ولعل من أهم الشروط لنجاح عملية البلاغ المبين والوصول بالدعوة إلى نفوس الناس امتلاك الدعاة خصائص وصفات متفوقة حتى يستطيعوا أداء المهمة المنوطة بهم، وقد يكون من أهمها الاحتساب والزهد بما في أيدي الناس والابتعاد عن مزاحمتهم على ما هـم فيه وعدم الاحتراف بالإسلام. قال تعالى محذرا أتباع الرسالة الخاتمة:
( يا أيها الذين آمنوا إن كثيرا من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال [ ص: 39 ] الناس بالباطل ) (التوبة: 34) لقد كان فساد قلب الأحبار والرهبان سببا في فساد الجسد وسقوط الأمم السابقة وجعلها وسائل إيضاح للأمة الإسلامية التي تحمل الرسالة الخاتمة فلا تنتقل إليها العلل التي أصابت الأديان السابقة على يد أتباعها ودعاتها.
وما من الأنبياء نبي إلا كانت له حرفة وكان شعار الأنبياء جميعا:
( وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين ) (الشعراء: 109) .
ذلك أن الاحتراف بالإسلام وتوظيف الإسلام لمآرب شخصية يشوه وجه العاملين لهذا الدين، ويقيم جدارا نفسيا يحول دون وصول دعوة الله واستنقاذ البشر مما هـم فيه لدرجة قد تساهم مساهمة سلبية في إيذاء الدعوة وتحنيط الدعاة.
لذلك كان لا بد من التدليل عمليا على أن مجتمع الدعوة الإسلامية مجتمع عطاء وليس مجتمع أخذ.. مجتمع واجبات قبل أن يكون مجتمع حقوق.. مجتمع هـداية وليس مجتمع جباية.. مجتمع الإيثار وليس مجتمع الأثرة، وأن هـذه القضية لا تتحقق بشعار يرفع أو بزمن بسيط بل لا بد من ممارسة من العاملين ليصبح ذلك خلقا، ومن اختبارات من الناس ليقفوا على الحقيقة ويتجاوزوا صور التضليل والتشويه التي تمارس على العاملين للإسلام حتى يكون ذلك منهج دعوة وليس وسيلة دعاية.
وبمجرد أن يخرج العمل الإسلامي عن هـدف الاحتساب فإن أعداءه أقدر على دفع الثمن واحتواء العمل الإسلامي، ولا يعدم عمل من الأعمال منتفعين به ومستغلين له.