حسن اختيار الوسيلة
ما هـي وسيلة الدعوة (التي هـي أحسن) والتي تعبدنا الله تعالى بالاستمساك بها لتؤدي عملية البلاغ المبين آثارها التغييرية، قال تعالى:
( ادفع بالتي هـي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم ) (فصلت: 34) ، إنه بحسن اختيارنا للوسيلة المناسبة، وحسن استعمالنا لها نغيره من الداخل، فبعد أن كان عدوا لدودا فإذا به صديق مناصر ودود.. إنه التغيير من الداخل الذي يمارسه الإعلام علينا صباح مساء، فيرسم في أذهاننا الصورة التي يختارها، ويصنع لنا الاهتمامات التي يريدها، ويأخذنا إلى المواقع التي يحددها، ونسلب كل قدرة على المواجهة بالمثل إلا قدرة التبعية والتلقي..
لقد شوه الإعلام صورة المسلم اليوم، وشكك بدعوة المسلم اليوم، واستطاع أن يلتقط من واقع المسلمين صورا مشوهة قدمها على أنها هـي الإسلام، وأن هـؤلاء هـم دعاة الإسلام ليخدم أغراضه ويدلل عليها.. أليس من العجيب، بعد أربعة عشر قرنا، أن تكون وكالات الأنباء العالمية التي أصبحت تمتلك الاختصاص في صياغة الخبر وأدائه، وتأخذ برقاب العباد وتتصرف بمقدراتهم، جميعا صهيونية أو صليبية، أو شيوعية، وليس للإسلام والمسلمون فيها نصيب؟!
ونحن إزاء ذلك مصابون بالعجز، ليس عن إبلاغ دعوتنا ونشرها وإيصالها للناس، وقد تجاوز العجز ذلك إلى عدم القدرة على تقديم الحماية لصورتنا الإسلامية الصحيحة.. ولا يعوزنا المال في العالم الإسلامي ولكننا بحاجة إلى الإنسان المستشعر للمسئولية.
أين هـي الحكمة التي افتقدناها في عملية البلاغ والدعوة التي أمرنا الله بها بقوله:
( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هـي أحسن ) (النحل: 125) ؟
[ ص: 85 ]
أين هـي الحكمة ضالة المؤمن وهاجسه الدائم ليكون في مستوى إسلامه وعصره، والتي قرنها تعالى بالكتاب - القرآن - لضرورتها وأهميتها؟! فإذا افتقدناها فقد أقمنا الجدران النفسية بين الناس وبين الكتاب، قال تعالى:
( وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة ) (النساء: 113) ، حتى إن بعض المفسرين يرى أن الحكمة تعني السنة، وقد يكون الحق في هـذا ولا ضير، فمن أقدر من الرسول القدوة صلى الله عليه وسلم على وضع الأمور بمواضعها، ووزنها بموازينها، وهو المسدد من ربه
( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) (البقرة: 269) .
والحكمة أهلية رفيعة المستوى، ومنحة من الله لأهل التقوى من خاصة خلقه، يمكن أن تتحقق بالاكتساب من النظر والتدبر في كتاب الله تعالى والالتزام بسنة رسوله وطريقته في البيان، إنه الرسول الذي أمر أن يخاطب الناس على قدر عقولهم، وأخذ الناس بأحكام التشريع شيئا فشيئا، حتى إن القرآن الكريم استمر نزوله ثلاثة وعشرين عاما، ولا يخفى ما في هـذا التدرج من الجوانب التربوية، ومكث الرسول صلى الله عليه وسلم في
مكة ثلاثة عشر عاما يدعو إلى الله ويبلغ الناس أمر ربه، ويسلك لذلك كل مسلك حتى تستبين صورة الإسلام والدعوة الجديدة، وكان في مكة يومها (360) صنما تقريبا تعبد من دون الله، وتملأ على الناس حياتهم ودروبهم، وما كان شيء أبغض للرسول صلى الله عليه وسلم من اللات والعزى، ومع ذلك لم يتعرض لهذه الأصنام طيلة فترة الدعوة في مكة، إلا أنه بعد مرحلة الدولة - بعد فتح مكة - لم يقبل بها لحظة واحدة، بل كان أول عمل قام به: كنس الأصنام من البيت الحرام..
إنها الحكمة في عملية إبلاغ دعوة الله تعالى والأخذ بيد الناس إلى الخير، فهو الرحمة المهداة، انظر الحكمة في قوله لعائشة رضي الله عنها :
( لولا أن قومك حديثو عهد بالإسلام لهدمت الكعبة وأقمتها على قواعد إبراهيم عليه السلام ) !!
[ ص: 86 ]