خطأ الداعية أمر طبيعي
والدعاة إلى الله قد يخطئون في الوسائل وأساليب العمل، ويفتقدون الحكمة في نشر الدعوة بسبب من شراسة الأعداء التي تحرجهم في بعض الأحيان فتخرجهم عن الطريق الإسلامي السوي، أو بسبب من ضغط الواقع على أعصابهم وردود الفعل التي يمكن أن تلحق بهم كبشر في حالات ضعفهم البشري أو الفهم الخاطئ للإسلام والتعسف في تطبيق أحكامه. وهنا تكمن الصعوبة في المعالجة فبعض الناس يظن أن تخطئتهم إنما توظف لحساب أعداء الإسلام والمسلمين كما أسلفنا وتكون مساهمة سلبية في إنهاكهم وشل حركتهم وتمكين العدو منهم كرد فعل يقتصر على الذين يقتصر دورهم في المعالجة على تطبيق قانون السير ذي الاتجاه الواحد في الموضوع: وهو تتبع خطأ العاملين للإسلام ووضعه تحت المجهر وتكبيره إلى درجة تشل حركة العمل الإسلامي والدعوة إلى الله، وتخوف منه لأنهم يظهرون ككتلة أخطاء دون القدرة على تحديد موقع هـذا الخطأ، إن وجد، من صور الخطأ العميم والجرائم الكبيرة التي يمارسها أعداؤهم، وكيف أن أخطاءهم إذا ما قورنت بخطأ خصومهم لا قيمة لها.
من هـنا نستطيع أن نقول: إن في خبر سرية عبد الله بن جحش الضوء
[ ص: 97 ] الكاشف والجواب الشافي للمعادلة التي تبدو صعبة في ظاهرها. لقد أخطأ المسلمون في انتهاك حرمة الشهر الحرام، وقتل وأسر من قتلوا وأسروا وعاب عليهم الكفار ذلك وبدأت رحلة الإعلام المضلل للنيل منهم. وتضخيم خطئهم فكانت هـذه فرصة المسلمين أولا للاعتراف بالخطأ ومطاردته في صفوفهم، وهذا يقوي الصف ويقيمه على أساس متين لا شك كما أسلفنا لكن في الوقت نفسه امتلكوا القدرة على التصنيف التي رباهم عليها المنهج القرآني.. ما هـي قيمة هـذا الخطأ وحجمه وأثره إذا ما قيس بأخطاء أعداء الإسلام الذين يدمرون المجتمع، ويمارسون الفتنة ويمنعون الخير ويشهرون الشر؟!!! إن ما وقع فيه المسلمون من خطأ كان فرصة المسلمين بعد أن طرحت قضية الخطأ على الساحة.. أن يكشفوا أخطاء العدو ويطرحون الموازنة والمقارنة التي تنهك العدو..
( قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به والمسجد الحرام وإخراج أهله منه أكبر عند الله والفتنة أكبر من القتل ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ) (البقرة: 217) إن الاعتراف بالخطأ والقدرة على القيام بالموازنة كان دما جديدا في جسم الدعوة الإسلامية وكشفا وإنهاكا وفضحا لمواقع العدو تحت شعار: الفتنة أكبر من القتل.
فما قيمة رد الاعتداء في الشهر الحرام أمام الصد عن الحق ومنع الناس من الوصول إلى المسجد الحرام وإخراج المسلمين من مكة واضطرارهم للهجرة وممارسة الاضطهاد الفكري للحيلولة بين الناس وبين اختيارهم العقيدة الصحيحة!! إن سلسلة الجرائم التي يمارسها أعداء الإسلام ويسكت عليها هـي أكبر عند الله
( فما لكم كيف تحكمون ) (القلم: 36) !!!