الوسيلة الوحيدة.. لفهم الإسلام
ونعود للتأكد مرة أخرى أن الدعوة لتعلم لغة العقيدة، والتعرف على العقيدة من خلال لسانها لا يعني إلغاء الترجمة وبيان الإسلام باللغات الأخرى، ولا التقليل من قيمة هـذه الجهود المشكورة التي أضاءت الطريق لكثيرين ووصلتهم بالإسلام ولا تزال، ولا أن نتخذ موقفا معاديـا لها، وإنما نقول: إن العربية هـي الوسيلة الوحيدة في نهاية المطاف لفهم الإسلام..
يمكن أن نلمح ذلك من أن الإسلام لم يقم وزنا لقضية الأجناس والألوان والأموال، حسبها أنها فوارق قسرية، ليس من المقبول عقلا أن تكون ميزان تميز وتفاضل ولو كان ذلك كذلك لكان الظلم عينه، وكانت وسيلة للصراع والاقتتال، ومن هـنا أيضا نلمح البدائية العجيبة عند الذين كانت القوميات والعصبيات والعنصريات والألوان والنزعات العرقية مناط دعوتهم، وهدف حركتهم.. وعلى الرغم من أن الإسلام لم يقم وزنا لهذه الفوارق القسرية، ولا بد منها لصيانة الأمة الواحدة وتشكيل أوعية متجانسة للعقيدة الواحدة التي تحفظ روح الأمة وتعبر عن إرادتها.. ولذلك نرى التطبيق العملي لهذا في حياة المسلمين من غير العرب، حيث لم يعتبر أحدهم أن بإمكانه الاستغناء عن العربية والاقتصار على ما يفهم من الإسلام بلغته، أو أبناء جنسه الذين أسلموا [ ص: 104 ] وتعلموا العربية، بل كانت العربية غاية مناه ووسيلة فهمه لإسلامه وعقيدته، فكان منهم مؤلفون وعلماء ومفسرون ومؤرخون وأصوليون أدركوا من مدلولات الخطاب ما أدركه العرب أنفسهم، بل وصلوا إلى مرتبة الإمامة في اللغة والفقه والتفسير والحديث وما إلى ذلك من العلوم التي لا تتوفر إلا لمن أتقن العربية وعلومها..
إنهم كانوا يدركون تماما أن العربية من الدين، وأن لا سبيل إلى فهم العقيدة والتزام الشريعة بغير العربية، وبذلك يقول أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله في (الموافقات) ، إن هـذه الشريعة المباركة عربية، فمن أراد تفهمها فمن جهة لسان العرب يفهم، ولا سبيل إلى تطلب فهمها من غير هـذه الجهة.
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " تعلموا العربية فإنها من دينكم. "
لذلك رأينا علماء الأصول يفردون في كتبهم مباحث نفيسة للغة العربية ودلالاتها باعتبارها وسيلة لفهم الشريعة.. ومن هـنا يقول الإمام الشافعي رحمه الله، وهو أول من أصل الأصول: فعلى كل مسلم أن يتعلم من لسان العرب ما بلغه جهده حتى يشهد به أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويتلو به كتاب الله، وينطق بالذكر فيما افترض عليه من التكبير ومن التسبيح والتشهد وغير ذلك..
والرسول صلى الله عليه وسلم : يقول: ( من يحسن أن يتكلم بالعربية فلا يتكلم بالعجمية فإنه يورث النفاق ) وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول: فإن نفس اللغة العربية من الدين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فهم الكتاب والسنة فرض، ولا يفهم إلا بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلا به فهو و واجب. [ ص: 105 ]
التالي
السابق