ذهاب العلم
ونستطيع أن نؤكد مطمئنين أن فهمنا للإسلام الذي نحن عليه، والذي نرى صوره وآثاره السلوكية هـنا وهناك - إلا من رحم الله - يغاير فهم الصحابة.. والإسلام هـو الإسلام، ولعل في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يرويه زياد بن لبيد [ ص: 120 ] ما يدل دلالة واضحة على ما نحن عليه:
أخرج الإمام أحمد في مسنده، وابن ماجه بإسناد صحيح، من حديث زياد بن لبيد قال: ذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئا، فقال: ( وذاك عند ذهاب العلم قال: قلنا: يا رسول الله، وكيف يذهب العلم ونحن نقرأ القرآن، ونقرئه أبناءنا، وأبناؤنا يقرئونه أبناءهم، إلى يوم القيامة؟ فقال: ثكلتك أمك يا لبيد، إن كنت لأراك من أفقه رجل بالمدينة، أو ليس هـذه اليهود والنصارى يقرءون التوراة والإنجيل ولا ينتفعون مما فيهما بشيء.. وفي رواية: أوليست التوراة والإنجيل بأيدي اليهود والنصارى فما أغنى عنهم حين تركوا أمر الله ) .
فهل انتقلت إلينا عدوى علل أهل الكتاب التي حذرنا الله من السقوط فيها والانتهاء إليها؟!!
من هـنا فإننا لا نغالي، ولا نجافي الحقيقة، عندما نقول: إن مشكلة المسلمين اليوم لا تخرج عن كونها مشكلة ثقافية بالمفهوم الشامل لمصطلح الثقافة، وإن كل مظاهر الأمراض التي نراها، وصور التخلف التي نعيشها، لا تخرج عن كونها أعراضا لمشكلتنا الثقافية، وهنا يتجدد الطريق ويتوحد الحل، وذلك بمعالجة المشكلة الثقافية وتصويب المسار الثقافي، وتنقية عالم أفكارنا من كل دخيل وعارض، والتخلص من المناخ الثقافي غير الإسلامي الذي يقطع رؤيتنا الإسلامية ويمزقها، ويمارس ضغوطه المختلفة علينا فيشوه نظرتنا، ويخرب مقياسها الذي يمكننا من التحكم بالمعطيات الحضارية، ويمنحنا القدرة على الأخذ والترك، ويعجزنا أن نكون في سوية القدرة على الرؤية القرآنية والاستجابة لها..
إن المناخ الثقافي غير الإسلامي، الذي تشكل بسبب من الغزو الفكري، والذي كان من أخطر آثاره: تدمير الرؤية الإسلامية الشاملة، والانتهاء بنا إلى صور من الممارسات الفاقدة للبصر والبصيرة، وحسن الدراية والفقه، ورسم المداخل الصحيحة للواقع الذي نعيشه، وتحديد موقعنا منه وامتلاك الوسائل المناسبة لحسن التعامل معه، وإيصال دعوة الله إليه.. هـو الذي يتحكم في رؤيتنا الإسلامية وممارستنا العملية. [ ص: 121 ]
التالي
السابق