جنود في جيش العدو
وليس من تكرار القول: أن نؤكد أن إسرائيل تعرف ما تريد، وتقدم رؤية دينية لشعبها تتصرف على ضوئها، وتحاكم العالم من خلالها، وترسم صورة الحل المطلوب على أساسها، وما نراه اليوم من الإعلان عن ضم مرتفعات الجولان ، لا يخرج عن كونه في السلسلة التي لا تحمل أية مفاجأة لكل الذين يتمتعون بحواسهم التي لا زالت سليمة، فعملية قضم اليهود للجسم الإسلامي مستمرة، وعلى كل المستويات، وما قامت به إسرائيل هـو إعلان لواقع استمرت في إقامته وتكريسه أربعة عشرة عاما من الاستيطان، وإعطاء المناطق الأسماء والمصطلحات العبرية، وتنشئة المستوطنين على أنها محررة من أرض إسرائيل الكبرى، وقد قدم بيغن (رئيس وزراء إسرائيل) للموضوع بفلسفة توراتية ومما قال في الكنيست:
(لا يمكن لأحد عاقل في بلادنا أو خارج حدودها إلا أن يعترف بعدما يقرأ تاريخ إسرائيل أن الجولان كانت جزءا من الأراضي الإسرائيلية) (!!)
وقال للسفير الأمريكي صموئيل لويس أثناء رده على موقف أمريكا من الموضوع: (إن اليهود يعرفون ماذا يريدون. وهم سيحققون بقوتهم كل شعاراتهم الدينية.. إن الجولان أرض توراتية وقد استعادها الشعب اليهودي ولا توجد أية قوة في الأرض تستطيع أن تحملهم على التراجع عن قرارهم..)
ولا بد من التذكير هـنا أيضا بقول ليفي أشكول بعد حرب حزيران 1967م لما تقرر عقد الجمعية العمومية للأمم المتحدة: [ ص: 161 ]
(لن ننسحب من المناطق المفتوحة (كذا) أبدأ ولو صوت مائة وواحد وعشرون عضوا من بين مائة واثنين وعشرين عضوا في الأمم المتحدة ضدنا ولم يبق في تأييدنا إلا صوت إسرائيل نفسها) !
وقول ديفيد بن غوريون : (لا تتعبوا أنفسكم في البحث عن حل، ليس هـناك حل، الأرض واحدة وطالب الأرض اثنان، ولا بد أن تكون لواحد منهما فقط، لا بد أن يكون الشعب الإسرائيلي هـو ذلك الواحد الذي يحصل على الأرض ويملكها، والحل الوحيد بالنسبة لنا: أن نسعى بكل الوسائل بما فيها القوة والسياسة والخدعة لكي نجعل الطرف الآخر يرضى بالتنازل عنها)
فالقدس عاصمة إلى الأبد، ولا مجال للبحث في شأنها، لأنها إرادة الرب، والضفة الغربية حق للشعب اليهودي، وهي الأرض التاريخية، أرض الميعاد..
إن إسرائيل تعرف ماذا تأخذ وماذا تدع وتحدد مرحلته وتهيئ الظروف المناسبة له وتنطلق من ثوابت تعتقدها وتلتزم بها، وأية قضية لا يتم إنضاجها في إسرائيل من قبل فرد مهما كان شأنه، ومهما كان عنوانه، ومهما كانت تضحياته ومكانته التاريخية، لأنها قضايا تخص الإسرائيليين جميعا ولا تختص به.
فلا بد من إنضاج كل شيء في المؤسسات المختصة وعن طريق استفتاءات الرأي العام فإذا لم يستطع فرد أو أفراد ذلك، يتحولون عن الطريق ليأتي من ترتضيه الأمة ويكون الأكثر ملاءمة لظروفها، ولا نزال - نذكر جميعا تشكيل لجان الدراسات المختصة في أعقاب حرب 1973م - والكتب التي ألفت في دراسة الموضوع وبيان أسبابه ونتائجه (لجنة إغرانات، وكتاب التقصير) وما أعقبه من تغيير.
والذي ينظر إلى بعض شعوب العالم الإسلامي لا يحتاج إلى إجهاد ذهنه ليرى أن الاستهتار بهذه الشعوب يفوق كل تصور ويتجاوز كل منطق فلو كانت هـذه الشعوب قطعانا من الماشية لنظر في شأنها وأخذت بعين الاعتبار في مأكلها ومناخ رعيها ومدى صلاحيته وملاءمته لها، فالشعوب في عالمنا لا تستحق ما تستحق الماشية من رعاتها.. فكيف تستطيع المواجهة ويتحقق عندنا الإيمان بها. [ ص: 162 ] والحروب التي تقاد إليها وتقوم بينها لتستنزف طاقتها تدوم أعواما وحربنا مع اليهود لا تستغرق أياما..!؟
وبعد: إن السلاح الوحيد الذي ينبغي أن يدخل معركة المصير ويحارب به هـو الإسلام عقيدة وتربية وجهادا في سبيل الله وتحصين الأمة بعقيدتها عدة كفاحها ودرع صمودها، وهو السلاح الذي تخشى إسرائيل دخوله المعركة ولا تخفى الجهر بذلك. وان الأمة ستظل تتردى في مهاوي الهزائم والنكبات الداخلية والخارجية ما دامت تأبى أن تطلب النصر من الله وتعد للنصر عدته وإن الذين يحولون بين الأمة وعقيدتها هـم جنود في جيش العدو، وهم الأعداء الحقيقيون لهذه الأمة، يمزقون جبهاتها الداخلية ويقضون على مقومات المواجهة الصادقة مع إسرائيل.
أما أولئك الذين أعياهم السير في طريق الجهاد فنقول لهم إن قضية فلسطين هـي قضية الأمة الإسلامية بكل أجيالها وتاريخها وعقيدتها والأولى لهم أن يتركوا الأمة في مواجهة العدو ومقابلة التحدي، من أن يقدموا لها مبررات ومسوغات للهزائم المتوالية، وما النصر إلا من عند الله
[ربيع الآخر: 1402 هـ - شباط (فبراير) : 1982م] [ ص: 163 ]
التالي
السابق