أجداد وأحفاد
لقد ارتكب يهود من الفظائع على مسلمي لبنان ما يعز عن الوصف، ولم نحسن نحن تجاههم بواجب الأخوة، بل كنا دون سوية الموقف الإنساني، واكتفينا من الواجب بمهمة المراسل الحربي الذي تخضع تقاريره للرقابة أيضا!! حتى إن الكثيرين منا، الذين تعودوا الأكل بالقضية، لا يزالون إلى الآن يحاولون الصعود على جثث أصحابها!!
[ ص: 181 ]
إن عملية تهميش القضية الفلسطينية خطط بذكاء ودهاء، ونفذ على مراحل، فمن قضية فلسطين، إلى مشكلة لاجئين إلى قضية الشرق الأوسط، إلى أمن إسرائيل.. وهكذا تتضاءل وتهمش القضية شيئا فشيئا حتى تصبح قضية بيروت الغربية وإخراج الفلسطينيين حفاظا على أرواح الناس، أما دخول اليهود وقتلهم الناس بالجملة واستباحتهم لكل شيء فلا علاقة له بالأرواح؟!
إن أمر المزايدات في السوق السياسية والعقائدية ليس جديدا على أمتنا فعبد الله بن أبي بن سلول، زعيم النفاق والمنافقين، كان يصلي في الصف الأول، وهو الذي تولى كبر الإفك، كما هـو معلوم، فإذا وجد ابن أبي في عصر النبوة حيث الوحي يفضح المنافقين وأساليبهم، ويكشف للرسول صلى الله عليه وسلم أسماؤهم فإن في تاريخ القضية الفلسطينية وتاريخنا الحديث من أحفاد ابن سلول ما لا يمكن حصرهم..
ومع ذلك، فنحن على يقين بأن الشدائد والمحن تصنع الرجال، وتبصر الأمة بأعدائها الحقيقيين، وأن اشتداد التحدي يصقل الرجال، ويقيم الحضارات، ويقضي على الخلايا الشائخة في الأمة وينهي دور الرخو.. وأن
صلاح الدين الأيوبي رحمه الله، ولد في ظل الاحتلال الصليبي الجاثم بكلكله على البلاد منذ زمن، وهو الذي كان استنقاذ القدس على يديه.. وأن نبي الله
موسى عليه الصلاة والسلام تربى في قصر فرعون، وكتب الله على يديه تدمير القصر وإنهاء الظلم فيه، قال تعالى:
( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) (القصص: 8) وأن في تاريخنا من المحن والبلايا ما يكفي للدلالة على قدرة هـذه الأمة على تجاوز المحن والشدائد..
فهل نعي الدروس ونستفيد من العبر، فالعاقل من يعتبر بغيره والأحمق من يكون عبرة لغيره.
[ذو الحجة :1402 هـ - تشرين الأول (أكتوبر) :1982]
[ ص: 182 ]