النقل الثقافي
( .. فليبلغ الشاهد الغائب.. فرب مبلغ أوعى من سامع.. ) إنها مسئولية البلاغ المبين التي لا تخرج هـنا عن مسئولية التحمل ومن ثم مسئولية الأداء، لقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم غاية مهمته: البلاغ، فقال: ( ألا هـل بلغت؟ اللهم أشهد ) وبذلك يكون الرسول شهيدا على المسلمين، ويكون المسلمون شهداء على الناس، يوصلون إليهم هـذا الدين، ويطورون وسائلهم في نقل حقائقه لإنقاذ الناس من الجاهلية..
وهنا قضية تلفت النظر ( رب مبلغ أوعى من سامع ) فعملية الحفظ وسلامة النقل لا تعني بالضرورة: القدرة على الفهم والوعي والإدراك لمدلولات الخطاب، فليست القضية قضية حفظ فقط، قد يكون صاحبها نسخة من كتاب، وإنما القضية قضية الفقه والوعي والدراية، وهي على غاية من الأهمية لعالم المسلمين اليوم، ذلك أن بعض الناس اليوم كالأرض التي تمسك الماء لكنها لا تنبت الكلأ.. إن مسئولية وأمانة النقل الثقافي (عملية البلاغ المبين) ومسئولية الوعي والقدرة على فهم السنن وإمكانية التعامل معها هـي مشكلة المسلمين الثقافية اليوم.. فليبلغ الشاهد الغائب، فرب مبلغ أوعى من سامع..
إنها المعاني التي شهدها الصحابة الحجاج في مكة في العام التاسع للهجرة، وحملوا مسئولية نقلها إلى العالم ليكونوا شهداء على الناس، ويكون الرسول شهيدا عليهم، إنها المسئولية المحددة والمهمة الدائمة للمسلم في مجال عالم الأفكار والوعي الثقافي، المسئولية المحددة تقابلها الحيدة المهلكة المدمرة لبعض مسلمي اليوم في القعود عن مهمة البلاغ المبين وامتشاق وسائل أخرى والسير في طرق وعرة شائكة.. [ ص: 198 ]
التالي
السابق