كيف ولد الأسلوب العلمي؟
يقول
المفكر البريطاني " برتراند رسل " : " ... إن الأسلوب العلمي ولد من زواج مذهبين فكريين أتت بكل واحد منهما إحدى الحضارات العظيمة، أولهما: تنظير الإغريق، وثانيهما: اختبار العرب...
فالإغريق هـم الذين أبدعوا ما سميناه بالتنظير أي بناء الفرضيات، وتخيل النظريات لتفسير واقع العلم الطبيعي، فهم مثلا تخيلوا أن المادة مكونة من أجزاء منفصلة، كل جزء منها صغير جدا لا يقبل الانقسام (ATOm ) ، وسماه العرب بعدهم بالجوهر الفرد، ونسميه نحن اليوم بالذرة.
أما العرب فقد كانوا سادة التجريب والاختبار، يقيسون ويفحصون ويشاهدون ويدونون، إلا أن كل مذهب من هـذين المذهبين يبقى وحده عاجزا عن أن يلد الأسلوب العلمي؛ فبناء النظريات دون إخضاعها لمحك التجربة، وعرضها على حكم الاختبار يبقى لهوا فكريا عقيما؛
[ ص: 62 ] قد يرضي المفكرين والمتأملين، ولكنه لا يرسم صورة صحيحة للطبيعة، ولا يأمل أن يؤثر فيها ويهيمن عليها. والاختبار غير المنظم، والذي لا يهتدي بهدي نظرية تقوده وتدله على الطريق، يبقى مضطربا لا يخلص بنتيجة شاملة ولا يكشف حقائق أساسية.
وعندما تزاوج هـذان المذهبان في
أوروبا ، وفي عصر النهضة، ولد من تزاوجهما الأسلوب العلمي الذي قاعدتاه الرئيستان:
النظريـة: التي يفترضها ليفسر بها شيئا من ظواهر الطبيعة.
والاختبـار: الذي تخضع له هـذه النظرية لينقدها ويكشف عيوبها.
ويبقى العلمي راضيا عن النظرية ما صدقت لحكم الاختبار، واتفقت مع تنبؤاتها نتائج التجربة "
>[1] .
[ ص: 63 ]