التراث الثقافـي تبعا لتغاير أصول ولغات وتاريخ الشعوب المتساكنة في السنغال ، فإن الحديث عن التراث الثقافي في هـذا البلد متشعب، غير أن مما يسهل المعضلة وجود تشابه ملحوظ بين مختلف ألوان التراث الثقافي لهذه الشعوب، فضلا عن الاتجاه القوي نحو توحيد وسائل التعبير عن هـذه الثقافة منذ زمن؛ وذلك لتدخل عوامل سبقت الإشارة إلى بعضها حين الحديث عن التركيب السكاني.
وتتميز هـذه الثقافة بالشفوية ، أي: أنها لم تدون؛ إذ لم تدخل الكتابة إلى السنغال إلا بعد انتشار الإسلام، فأغلب ما تمت كتابته كان باللغة العربية أو باللغات المحلية بالحروف العربية ويغلب عليه طابع الإسلام. [ ص: 32 ]
وتحتل القصص والأمثال والشعر والأغاني والموسيقى وآلات الطرب مركز الصدارة.
ويعتبر فن القصص أهم مقومات الأدب الشعبي . والتراث القصصي عبارة عن أساطير وأقاصيص تقوم الحيوانات بدور الأبطال فيها، وتتقمص دور الإنسان، وتتصرف تصرفاته، وتتكلم بلسانه؛ داخلة في خفايا نفسه، منتقدة تارة المجتمع، وحاثة طورا آخر على عمل الخير ومكارم الأخلاق والرفق بالأيتام والضعفاء، وتنتهي الأقاصيص بالعبر والحكم، وقد تأثر بعض هـذه القصص بالإسلام فأصبح يستعير منه لونه ومادته.
وكان ولا يزال حتى يومنا هـذا -خصوصا في الأرياف- يتحلق الرجال والنساء والولدان حول ضوء النار، يوقدونها للمسامرة، وخلالها يستمعون إلى القاص يحكي لهم أقاصيص وأساطير شيقة تخلب الأفئدة، وتستحوذ على مجامع القلوب.
والى جانب الأقاصيص تحتل الملاحم درجة عالية في التراث الشعبي، وتدور غالبا حول شخصيات تاريخية حقيقية أو أسطورية. وتعد ملحمة " محمد تشام " بلغة " بولار " أغزر وأغنى ملحمة في هـذا الباب، فهي تروي حياة ومعارك المجاهد " عمر الفوتي " ؛ وكان المؤلف قد شارك شخصيا في جميع حملات الفوتي العديدة، فهي في نظر بعض العارفين لا تقل قيمة عن ملاحم " هـوميروس " .
ويعكس ذلك كله تنوع وثراء " الفولكلور " السنغالي الذي يسير في طريق التأصيل والحفظ والثبات...
هذا وسيأتي الكلام في فصل مستقل عن اللغة العربية باعتبارها أهم مكونات التراث الثقافي السنغالي. [ ص: 33 ]
التالي
السابق