السـحر في مفهوم الأرواحـيين
والسحر في مفهوم الأرواحيين نوعان:
(1) سحر أبيض نافع ملتمس يذب الأرواح الشريرة والأشباح الحوامة في جنح الليل ويجلب الخير والسعادة والبناء والمنفعة والازدهار، ويزيد في دخل الفرد والجماعة، وكثيرا ما يستعان به لمعرفة مدى نجاح مشروع ما، كالسفر أو الزواج، أو كشف نوع المرض، وتحديد الوصفة الملائمة لعلاجه...
(2) سحر أسود ضار
>[1] بغيض يفتك بالنفوس، وينشر الأمراض والأوبئة ويفسد الحرث والنسل ويتسبب في إمساك الأرزاق ...
وتستعمل عدة صيغ وأصول للوصول إلى نتيجة للنوعين.
يحصل الساحر على أجوبة عما يطرح عليه من مسألة بواسطة أدوات خاصة وتقنية يملك سرها (!!) على أنه يقوم باستقراء المعطيات والإشارات، ويفسر الرموز، ويفك الألغاز ليركب في النهاية المعضلة المطروحة أمامه، فيعطي جوابه عنه، ولا تقف مهمته عند هـذا الحد،
[ ص: 43 ] بل يتولى العلاج إن كان الأمر يتعلق بمرض، وهو عبارة عن تمائم وتعاويذ تتركب من قشور وعروق أشجار معينة أو أعواد وقرون. وقد يكتفي الساحر بنفاثات في العقد، ويعلق المريض الحجاب بعنقه أو بمرفقه أو بأي جزء آخر من جسمه وقد يدفن بعضا من ذلك في أماكن يعينها الساحر.
ويتنوع مجال نشاط الساحر حيث يعالج مختلف مسائل مجتمعه: على كاهله إنزال المطر إذا ما هـدد الجفاف الزراعة، وإخصاب الأرض، والتدخل للتخفيف من حدة فوران الطبيعة!!.
كما أن هـناك سحرا نافعا، وسحرا ضارا، فيوجد سحرة نافعون طيبون، وآخرون خبثاء ضارون؛ فالأولون يساعدون على تذليل مصائب ومصاعب الحياة، بينما الأشرار مسؤولون عن الوفيات
>[2] والأمراض والأضرار التي تصيب المجتمع بصفة عامة، وهم محل شؤم ونحس، يفر منهم الناس ويتقون شرهم.
ويعتقد هـؤلاء أنه يوجد أشخاص سحرة بدون أن تكون لهم يد في ذلك، أو سبق إصرار لارتكاب جريمة الإيذاء، فبعضهم ولدوا سحرة، ويتهم بالسحر الأطفال ذوو الخلقة المشوهة، والتوائم، وذوو العاهات، والمنحدرون من طبقات اجتماعية مستضعفة. ويبدو جليا من خلال الاتهام الموجه إلى طوائف متميزة من المجتمع أن هـذه المعتقدات لا ترتكز على أسس ذات معيار علمي وعقلي مقبول.
ومما يؤسف له أن المسلمين رغم كونهم أكثر من 95% من سكان
[ ص: 44 ] السنغال لما يتمكنوا بعد من التخلص من عدد من الخرافات، كخرافة مصاص الدماء
>[3] تجدر الإشارة إلى أن الاعتقاد بالسحر منتشر في مخلتف مناطق أفريقيا السوداء، بل تسرب وأثر في قرارات القضاء، ومن ذلك ما قررته محكمة في جمهورية ( الجابون ) سنة 1964 في شأن قضية اعترفت فيها محكمة في تلك البلاد بإمكانية تحول الإنسان إلى حيوان.. وملخص القضية :ادعاءأن رجلا تحول إلى قرد في إحدى الغابات، فاصطاده قانص آخر، وجاء في حيثيات المحكمة ما يلي:
حيث إنه من المعروف لدى الجمهور في (الجابون ) أن الأشخاص يتحولون إما على فهود أو فيلة.. ليقضوا على أعدائهم، أو ليحموا حقولهم ويفسدوا حقول جيرانهم..هذه أمور يجهلها القضاء الأوربي، ويحق للقضاء في (الجابون) أن يأخذها بعين الاعتبار !!..
وحيث يجب الاطلاع على أنه يتم فعلا تحول الإنسان إلى حيوان مفترس، وذلك قصد طمأنة فريسته التي ترى الصياد على هـيئة حيوان؛ من أجل إمساكها دون عناء؛ بحيث إن المحكمة اقتنعت بأن ( أكو جوزيف - (AKOUJODEPH قد تحول بمبادرة منه إلى قرد في الغابة حيث يحتمل أن يكون قانصا دون سلاح، ونتيجة لذلك فإن بيكو ( قاتل الإنسان القرد ) من النبلاء... وما كان يمكن أن يطلق النار في واضحة النهار على رجل لا وجود لأية عداوة بينه وبينه.
REN DUMONT ""AFRIQUE NOIRE ESTMAL PARTIE"".P 250
>[4] كما أن صانعي الطلاسم حلوا محل الكهنة في المجتمع الأرواحي، كما سيأتي.
وخليق بالملاحظة أنه في ظل الديانة
الأرواحية لا يعترض الإنسان سبيل قوة الطبيعة قصد تسخيرها والتأثير عليها وفق حاجاته، إنما هـي التي تؤثر عليه وتوجهه حسب مشيئتها ـبزعمه وتصونه وترعاه، أو تبيده وتهمله، وبديهي أن يعيش معتقد هـذه الخرافات في هـلع واضطراب دائمين.
وقد وجد الإسلام في السنغال أرضية صالحة: فقد كانت الأنظمة السياسية مستبدة وطاغية لا تحترم قانونا ولا عهودا، وكانت قائمة على
[ ص: 45 ] استفزاز الفلاحين واستغلالهم، وتجريدهم من أقل مقومات الاستقرار والأمن، وكانت تلك الإمارات تمارس معتقداتها الأرواحية، وهي أديان مشتتة، لا صلة تجمع أتباعها، ولا نظام يقرب بعضهم إلى بعض، ولا طقوس تتشابه ... وعندما لاح نور الإسلام تداعت أركان
الأرواحية ، ولا تزال تتقهقر.
[ ص: 46 ]