الداعية الحاج عمر بن سعيد المعروف بالحاج عمر
(1212-1281هـ 1795-1864م)
ولد الحاج عمر ببلدة هـلواربمنطقة "
فوتاتورو " سنة 1212 هـ وتوفي في كهف "
ديغمبري " 1281هـ.
[ ص: 76 ]
درس الفوتي في مقتبل عمره مبادئ اللغة العربية بعد حفظه لكتاب الله تعالى، ثم تفقه في المذهب المالكي السائد في غربي أفريقيا وشماليها، حتى نال حظا وافرا، وفي ريعان شبابه شد الرحال صوب "
فوتا جالون " (
غينيا ) لطلب العلم، وما برح حتى يمم نحو الشرق الإسلامي لأداء فريضة الحج، فأقام في
الأراضي المقدسة ثلاث سنوات أو يزيد، التقى خلالها بكبار علماء
الحجاز ، ومن ثم عرج على
مصر حيث اتصل بشيوخ الجامع الأزهر الشريف، ولا نعرف ما إذا كان الفوتي تتلمذ على علماء الجامع الشهير، غير أن من المحتمل أن يكون قد استفاد مما شهده في أرض الكنانة؛ لأن هـذه البلاد بدأت تحتك بالغرب بعد حملة
نابليون ، ولا يستبعد أن نطلع الزائر السنغالي على معلومات تتعلق بتقدم
أوروبا المادي الذي جعلها تبيت النية وتعمل على إخضاع البلدان الإسلامية لسيطرتها.
وبعد عودة الفوتي إلى بلاده كان يقول بصدد
النصارى : " إذا أتى البيض بالبضائع فعليهم أن يدفعوا رسوما مرتفعة، وعندئذ يستطيعون الاتجار معنا بسلام "
>[1] إن احتكاك الفوتي بعدة شعوب إسلامية في القرن الثالث عشر الهجري، ومعرفته الدقيقة بأحوالها، ودراسته الطويلة للتاريخ الإسلامي أحدث تحولا كبيرا في تفكيره وتحليله لقضايا الإسلام، فجعله يفكر في ضرورة تغيير الأوضاع، حيث وعى بثاقب فكره أن دور المسلم لا ينبغي أن يقف عند أداء الشعائر الدينية -كما كان شأن كثير من شيوخ عصره- في الوقت الذي تتردى فيه شئون المسلمين، إذ لا يليق بالشيوخ الركون والاستكانة والتمسك، والابتعاد عن مشاكل المسلمين السياسية
[ ص: 77 ] والاجتماعية والاقتصادية، والتفرج على ظلم وتعسف الأمراء الوثنيين الذين يسومون المسلمين أشد الإهانة والقهر.
لقد اندهش الفوتي لدى مقدمه من الشرق الإسلامي من فتور الوازع الديني لدى المسلمين، وتشتت قواهم، وتفشي الجهل فيهم، مما يبعث على الرثاء، واعتقد أن من واجبه أن يهب لنصرة بني دينه ما وجد لذلك سبيلا " وهذا الموقف - يقول "
ديمون " [DUMONT] - ليس له تعليل سوى نمو السمات الآتية في الفوتي منذ صباه: الإيمان، والرغبة في نشر العقيدة الإسلامية، وحماية الإسلام من سوء الفهم الذي أصابه في أفريقيا بسبب جهل العامة المجردين من كل تعليم، وغير القادرين على الرجوع إلى نصوص الشريعة، إضافة إلى تسرب بقايا الوثنية الخفية "
>[2] ولما عاد الفوتي إلى غربي أفريقيا ركز اهتمامه على نشر الإسلام في المناطق التي لم يعمها بعد، وعلى تطهيره من الشوائب في الأقطار التي يكون فيها المسلمون الأغلبية.
لتحقيق هـذه الأهداف أقام في منطقة في (
غينيا ) متاخمة
للسنغال ومالي ، وهناك انضم إليه عدد كبير من الشباب الإسلامي الذين وفدوا إليه للاستزادة من المعرفة، فكون منهم جيشا عرمرما. ويمكن إيجاز أهداف الفوتي بالأمور التالية:
1- إبعاد خطر
النصارى (الدول الاستعمارية ) عن غربي أفريقيا حيث كان الأوروبيون يتاجرون مع أهل هـذه المنطقة، ويحاولون مد نفوذهم السياسي والاقتصادي، وربما فرض النصرانية - دينهم - عليها.
[ ص: 78 ]
2- العمل على نشر الإسلام في المناطق غير الإسلامية، وتصحيح ما انحرف من عقيدة المسلمين، وتطهيرها من الشوائب والخزعبلات والممارسات الغريبة والبعيدة عن الإسلام الصحيح.
3- وكان يرى أن إحياء الإسلام لن يتم
بالطريقة القادرية التي أصبحت فاترة، والتي تبالغ في التسامح مع الوثنية وتتقاعس عن الجهاد المقدس.
4- وكان يعتقد -وهو على صواب- أنه لا بد أن تكون هـناك قوة مادية رادعة ومنظمة تقوم بمهمة حماية مكتسبات الإسلام ورعاية شؤون المسلمين.
لقد نجح الفوتي إلى حد بعيد في تحقيق خططه؛ حيث استطاع خلال فترة وجيزة أن يجمع تحت راية الإسلام رقعة واسعة من منطقة ما حول نهري
السنغال والنيجر.