المسلمون في السنغال (معالم الحاضر وآفاق المستقبل)

عبد القادر محمد سيلا

صفحة جزء
تأسيس مدن عصرية

اقتضت طبيعة الأسس التي انبنى علنها نظام الاستعمار -بجانب استغلال ثروات المستعمرات، وتسخير أهلها، وإيجاد سوق محلية تستوعب السلع المصنعة الفرنسية لمستهلكين في المستعمرات-: إنشاء مرافق عامة مهيئة لاستقطاب مختلف النشاطات الني ظهرت بعد تطور المرافئ ووسائط النقل المختلفة؛ من هـنا برزت المدن العصرية حول تلك المرافق، وأصبحت خلية حية، ومحور الحركة التجارية والإدارية، وملتقى عناصر وأجناس عديدة؛ على أن العنصر الإسلامي كان قطب الرحى في مدن السنغال، مما جعل تأثيره على الطوائف الأخرى بالغ الأهمية، خصوصا الشاب الذي غادر محيطه القروي بكل ما يرفل به من عقائد بالية، وطقوس أرواحية، وعادات وتقاليد يمجها الذوق السليم، ليستقر في محيط متحضر مغاير، حيث تقل فرصة ممارسة التقاليد المطبقة في القرية، بينما يرى الناس حوله يجتمعون -على الأقل- خمس مرات كل أربع وعشرين ساعة للصلاة، ويشاهد تجمهرهم في مناسبات دينية أخرى، مثل: صلاة عيدي الفطر والأضحى؛ والاحتفالات التي تقام بمناسبة ذكرى المولد النبوي ... وتجدر الإشارة إلى أن جو البهرج والتظاهر يبهر الإنسان السنغالي [ ص: 96 ] ويخلب قلبه، فما بالك إذا كان يشعر بالعزلة ويلاحقه الذعر والقلق بفعل ابتعاده عن الأشياء التي يعتقد أنها مانعته من غضب مظاهر الطبيعة!!

لذلك كله نجد الشاب الأرواحي المهاجر إلى المراكز الحضرية الحديثة ينجذب نحو الإسلام؛ التماسا للسلام، وانسلاخا من عزلته الاجتماعية، ومحاولة لنزع غلالة الحصار الاجتماعي الذي فرضه عليه معتقده الأرواحي ...

إذن فالانفلات من العزلة ، والبحث عما يصون من عوادي الطبيعة، والانتفاع بمزايا العضوية في دين ذي انضباط واتساع كبير حمل المهاجر الأرواحي على اعتناق الديانة الإسلامية، ليست لأنها مجرد بديل فحسب ولكن لأنها الوسيلة الأفضل للاندماج بيسر في المجتمع الحضري السنغالي والانفتاح على آفاق أوسع ...

التالي السابق


الخدمات العلمية