اتهامات باطلة
تبث البلبلة في نفوس مسلمي السنغال
لقد كان من تقدير الله تعالى أن يكثر أعداء دينه في هـذا البلد، يقومون بمناوأته، وينقبون عن مثالب أتباعه، ويفتعلون العيوب لزعمائه، وينبشون تناقضات الفئات المنتمية إليه، جاعلين ذلك كله منطلقا للهجوم والقضاء على الإسلام، وبث البلبلة في النفوس.
لم تكن الكنيسة وحدها في هـذا الميدان، بل عملت هـي وهيئات معادية للإسلام للتشكيك فيه، ونجحت إلى حد ما، فقد بتنا نجد أشخاصا يحملون أسماء إسلامية، ويتزيون بزي المسلمين، لكنهم
[ ص: 108 ] يعيشون بعقلية النصارى، ويتصرفون على شاكلة الأوروبيين، مخربين دينهم الإسلامي بأيديهم بتغرير من الهيئات
النصرانية والماسونية والبهائية المتسترة وراء نواد مشبوهة ومجهولة الهوية، ولا تتورع عن التلفيق والافتراء لكسب الأتباع من أجل الحصول على موطئ قدم على أرض هـذا البلد المضياف. وتلقى هـذه الحركات التشويشية صدى كبيرا لدى بعض كبار الكوادر الذين تستهويهم شعارات الماسونية الزائفة، وتمويهات البهائية، اللتين تزعمان أن مبادئهما لا تتنافى مع الإسلام (!!) .
وتجدر الإشارة إلى أن الماسونية تملك بعض المحافل التي تضم عددا من كبار الشخصيات، ويقال: إن لها أتباعا حتى بين متزعمي الطرق الصوفية، ومن المستعربين ، فهؤلاء يقومون بدور العملاء، ينظمون المحاضرات للهجوم على الإسلام في مختلف المناسبات.
وفي الساحة ذاتها تتحرك الطائفة البهائية التي -وإن لم تفلح حتى الآن بالتغرير بأحد من المسلمين- فإن وجودها في
السنغال يعتبر خطرا على الناشئة، نظرا للحرية المعطاة لها حيث تستطيع بكل سهولة الاتصال بالجمهور السنغالي عن طريق الصحافة، وكان من دأبها أن تنشر من حين لآخر في اليومية شبه الرسمية (لو سولي ) [LE SOLEIL ] بلاغات منمقة، وبيانات مزيفة تشرح من خلالها مبادئها، وتعرض عبرها وجهة نظرها حول قضايا اجتماعية مختلفة مع شيء كثير من الحذلقة والمغالطة، الأمر الذي يمكن، في المستقبل، أن يسقط في حبائلها الشباب المسلم.
غير أن خطر البهائية، في الوقت الراهن لم يستفحل، لأنها لا تتوفر على مؤسسات ذات أهمية، وذلك خلاف وضعها في
غامبيا المجاورة التي تكون مع السنغال اتحادا " كونفيدراليا " حيث بنت مستشفيات
[ ص: 109 ] ومراكز صحية ومدارس، وتنشر الكتيبات باللغة العربية مما يلزم التفكير في اتخاذ الاحتياطيات للحيلولة دون تسرب عدواها إلى
السنغال ، وبالتالي تطهير
غامبيا الشقيقة من هـذا الوباء.
يضاف إلى أعداء الإسلام هـؤلاء منظمات تعمل متسترة خلف أقنعة متعددة على الساحة السنغالية، منها: منظمة " كاريتاس KARITAS " وهي هـيئة عالمية نصرانية، لها فروع في كل بلد يوجد فيه نصارى، مهما قل عددهم؛ هـدفها المعلن: إسعاف ضحايا الكوارث الطبيعية في بقاء العالم كلها؛ عقدت فروعها في السنغال اجتماعا بمدينة "
داكار " في العاشر من مارس 1984م خصصته لدراسة وضع منكوبي الجفاف، وما يمكن أن تقدمه لهم من مساعدات في هـذا السبيل!!
تتبع هـذه المنظمة سياسة مدروسة تقوم على اختيار عينات خاصة من قرى المسلمين -تعيش في ظروف اقتصادية بائسة تجعل أهلها معرضين، أو لديهم قابلية للتنصير- تقدم لهم ما يحتاجونه، وتوزع عليهم بعض علب السردين، ومسحوق الحليب المجفف، وحفنات من الأرز والدقيق ...
ومن هـذه المنظمات أيضا: نوادي " الروتاري " التي تقوم بدورها كذلك، وتقدم معونات إلى هـؤلاء الفقراء، وهذه النوادي -كما هـو معروف- ذات علاقة وثيقة بالمحافل الماسونية ، تحقد على الإسلام، وتغري كبار الكوادر بالمناصب التي تزعم أنها تضمنها لهم في الجهازين: السياسي والاقتصادي في البلاد ... وتستغلهم بعد ذلك لتحقيق مآربها في توهين عرى الإسلام، وإضعاف المسلمين.
هذه المنظمات وكثير غيرها، تختلف أسماؤها، إلا أن أهدافها واحدة، فعلى سبيل المثال: نوادي " الليونز " تشبه " الروتاري " في
[ ص: 110 ] أسلوب عملها، من حيث الادعاء بأنها غير دينية، وما ذلك إلا لإخفاء هـويتها الحقيقية التي تعمل لخدمة وتحقيق أهداف أعداء الإسلام.
من هـنا كان الجفاف الذي حاق ببلدان إسلامية فرصة اهتبلتها هـذه المنظمات النصرانية والماسونية تحت غطاء " الأخوة الإنسانية " و " التضامن الإنساني " لتتسلل إلى عقر دار الإسلام، نافثة سمومها، داعية إلى عقائدها الفاسدة الهدامة.
إن استقرار الجفاف والجوع في منطقة الساحل، وهي منطقة يكون فيها المسلمون الأغلبية الساحقة، أعطى فرصة لهذه المنظمات التنصيرية وأمثالها للظهور والتحرك؛ حيث تقوم بتقديم المواد الغذائية والملابس والأدوية، في الوقت الذي تكاد الهيئات الإسلامية أن تختفي فيه عن الساحة نفسها!!
ومن الأفكار المنمقة التي تروجها تلك الطوائف المعادية للإسلام الزعم أن كل تأخر وتخلف فكري ومادي عائد إلى الإسلام، وأن كل تفتح ثقافي وتقدم حضاري راجع إلى غيره، وهم يتجاهلون أن من الحيف أن تنسب ( التقدمية ) إلى دين بعينه، وتنفى عن آخر، في حين أن الأديان السماوية أتت أساسا لإنقاذ البشرية من الهمجية وبراثن الجهالة، وورطة العماية، ولاقتيادها نحو الخير والهداية ونور الحضارة، ولذلك عندما تنفى (التقدمية ) عن دين ما فقد جرد من أهم خصائصه، وعلة وجوده، وجوهر مقوماته.
ومن المقولات المتداولة لدى أعداء الإسلام بالسنغال، قولهم: إن
النصرانية بمثابة سهم يشير إلى الأمام؛ بينما يومئ سهم الديانة الإسلامية إلى الوراء لاحتوائه عناصر سالبة في جوهر العقيدة : ويمثلون لذلك: اعتقاد المسلم بـ (المكتوب ) ، وعجزه عن تغيير ما يحيط به
[ ص: 111 ] من عوالم، ونفي كل إرادة نابعة منه، والاستسلام الكلي للقدر ... مما أقعده عن المجازفة، وثبط عزمه، وشل لديه كل مبادرة، لذلك لم يحاول بذل أي جهد لتغيير وضعه من سيئ إلى حسن، ومن حسن إلى أحسن، فالمؤمن يردد أن الرزق بيد البارئ يعطيه النائم الكسول، ويحرمه العامل النشيط الذكي (!!) فلا داعي -والحالة هـذه- للاكتساب والارتزاق، والكد والنصب لضمان حياة مادية أو روحية راقية، إذ لا طائل من وراء ما يبذل من جهد لتحويل اتجاه العجلة.
لا شك أن تلك المقولات بعيدة كل البعد عن حقيقة العقيدة الإسلامية السليمة؛ لأن هـذه القدرية العمياء لا تعبر عن وجهة نظر الإسلام الصحيح الذي يدفع المسلم نحو العمل الصالح المفيد، ويجعل ذلك مقياس التفاضل بين الناس؛
( ورسول الله صلى الله عليه وسلم هـو الذي أمر المسلم، حتى ولو قامت عليه القيامة، وبيده فسيلة أن يزرعها ما استطاع إلى ذلك سبيلا ) ، والله عز وجل يقول:
( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ) (القصص:77) ، وهو الذي ربط التغيير في المجتمع بتغيير المسلم لما في نفسه:
( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) (الرعد:11) .
إذا كان الرد بالنفي، ترى ماذا في العقيدة الإسلامية يعوق التقدم، ويحول دون استخدام ملكات العقل والجسم، ويمنع المسلمين من محاولة تغيير محيطهم لصالحهم؟!
ويكفي للرد على هـؤلاء أن ندعوهم إلى استقراء ماضي الإسلام، ليس في فترة ازدهاره في
دمشق الأمويين،
وبغداد العباسيين،
وقرطبة [ ص: 112 ] المسلمة
بالأندلس ، بل عن طريق مقارنة المجتمع الأفريقي المسلم وما يماثله من مجتمعات أرواحية: " إن السكان المسلمين يمكن أن يصبحوا بسهولة متعصبين ومعادين للبيض، ولكن مما لا شك فيه أن الإسلام لدى السود خميرة للحضارة، ويمكن أن يرقى بأخلاقية السكان الأصليين، ويرفع بشكل ملموس من مستواهم العقلي
>[1] " .
ثم إن دستور الإسلام: القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، وتطبيقات السلف الصالح رضوان الله عليهم تفند مزاعم الاتكاليين الكسالي، وادعاءات مناوئي الديانة الإسلامية، بل كيف يتصور العقل السليم أن يدوخ هـذا الدين، لفترة غير وجيزة، مشرق الأرض ومغربها، من مشارف
الصين إلى تخوم جبال "
البرانسطن " ويبني صرح حضارة لم تبل معالمها رغم ما تعاقب عليها من أطوار وأحداث وفتن؟
ويبدو أن بعض الفئات تتذرع بمثل تلك الأفكار الخاطئة لتشكيك المسلمين في دينهم وبث التشويش في نفوسهم، فضلا عن أن إلصاق ( التأخرية ) إلى الإسلام ما هـو إلا تبسيط لأعوص معضلة تشغل بال العالم كله، إذ -حسب هـذا الادعاء- تنحل عقدة التخلف بعصا سحرية بمجرد ما يتنكر مجتمع إسلامي لعقيدته الإسلامية باعتناق بدائلها من
نصرانية ويهودية أو حتى
أرواحية ...
لا يفتر هـؤلاء المعادون للإسلام عن ذكر ما يزعمون أنه ثغرة في النظام الإسلامي، ألا وهو وضع المرأة: فهي مهضومة الحقوق، غير مساوية للرجل، وهي دون الجنس الآخر في كل شيء ... لسنا هـنا بصدد استعراض ما تتمتع به المرأة في ظل النظام الإسلامي، وإنما نشير فقط
[ ص: 113 ] إلى وضع المرأة في المجتمع الأرواحي حيث لم يكن لها أي حق؛ بل كانت عليها واجبات فقط؛ فهي لا ترث بل كانت موضوعا للإرث، فعندما يتوفى عنها زوجها لا يكون لديها خيار في الاقتران بمن تشاء، إنما هـي مرغمة على الزواج بأحد أقارب الزوج المتوفى، والعلة في ذلك أن المهر يعتبر ثمنا لها، أي أنها تصبح به في ملك الزوج ووارثيه.
لا نتعرض لجميع الاتهامات المفتريات ضد الإسلام، ولكننا نؤكد أنها افتراءات تستحق منا أن تؤخذ بمأخذ الجد؛ لأن أعداء الإسلام يتخذونها مطية لتنفير ضعاف القلوب والمغفلين وأنصاف المثقفين من المسلمين من دينهم.
لا يدرك هـؤلاء أن هـذا الدين يدعو إلى تحرير الإنسان من ربقة العبودية ، عبودية الشهوات والمادة والجاه.
ولعل أفدح خطأ يقع فيه دعاة القضاء على الإسلام في
السنغال هـو تصورهم أن تصفية هـذا الدين يتم بالسهولة نفسها التي يصفي بها انقلاب عسكري آثار حكومة عائمة غير ذات قاعدة شعبية متينة!! فمن المتعذر -إن لم يكن من المستحيل- استئصال العقيدة الإسلامية الراسخة الجذور في النفوس؛ لأن ذلك منوط باجتثاث عروق الشعب السنغالي نفسه؛ وإذا ما قامت ثورة بإبادة مواطنيها، تفقد تلقائيا علة قيامها.
ونحن نعتقد أن الإسلام سيكون أول المستفيدين من أية حركة هـادفة تعمل من أجل إخراج هـذا البلد من التخلف، وهو عمل يساعد العاملين في الساحة الإسلامية على إصلاح المفاهيم الخاطئة حول المجتمع الذي يقترحه الإسلام للإنسانية.
إن أي حركة سياسية أو اجتماعية لا تقدر الوضع الخاص للإسلام في
[ ص: 114 ] السنغال محكوم عليها بالفشل، كما أن أي إصلاح لا يضع ضمن أولوياته العناية بالدين الإسلامي لن يكتب له النجاح، وذلك لسبب بسيط وهو أن 95% من سكان السنغال مسلمون لهم تاريخ طويل في حظيرة هـذا الدين، وأن الطائفة النصرانية -رغم ما لها من نفوذ لا يتناسب مع وزنها العددي- لا تستطيع أن تتطاول لتؤدي دورا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا -بالحدة نفسها في الدول الأفريقية التي فيها تضخم سكاني نصراني- في السنغال لتفاهة عدد أتباعها، فليس السنغال من الأقطار التي يحتكر فيها
النصارى الثقافة الأوروبية، والمهارة الفنية.
ولعل من الدوافع التي ينبغي أن تقوي تمسك السنغاليين بعروة الإسلام كونه عامل وحدة وطنية، وباعث شعور بوحدة الانتماء إلى أمة، إذ لم تكن هـناك صلة تربط (الأولوفي ) بـ (الماندنكي ) أشد متانة من صلات الدين الإسلامي، فقد وحد الإسلام العناصر المختلفة واللغة والعادات، ونظمها وقارب سلوكها ونمط حياتها: تحتفل الجماعات في أيام واحدة وساعات واحدة بأعياد الإسلام، مما ساعد على التخفيف من عناصر التمايز وإطفاء الشيء الكثير من أوار نار النعرة العنصرية والنخوة العرقية الجوفاء.
ويبدو أن اعتبار الإسلام عنصرا جوهريا للوحدة الوطنية تخطى حدود السنغال إلى غيره من الأقطار الإسلامية، " الدين هـو الأساس، وأحيانا الأساس الوحيد لعنصر الوحدة في كثير من المجتمعات الوطنية لبلدان أفريقية وعربية آسيوية. "
[ ص: 115 ]