الأسـر الطرقيـة الكبرى
أولا: القادريـة:
تبدو الطريقة القادرية وكأنها أم الطرق في السنغال، وتنسب إلى أبي صالح عبد القادر الجيلاني (1077 -1166 ) ، انتشرت في أقطار عديدة من العالم الإسلامي حيث أعطت القالب للطرق التي نشأت بعدها " ليس من المغالاة في شيء - يقول " ألفونص غوبي " - القول إن الطرق
[ ص: 132 ] الإسلامية قد استوحت بشكل أو بآخر من التنظيم الذي هـيأه الجيلاني ومن المبادئ التي وضعها "
>[1] جاءت
القادرية ، شأن باقي الطرق الصوفية، من شمالي أفريقيا إلى غربيها، ويعتبر
الشيخ محمد بن عبد الكريم المغيلي أول من نشرها في القرن الخامس عشر الميلادي
بموريتانيا ، ومن ثم دخلت
السنغال ، لذلك يقع أهم مراكزها في تلك البلاد:
الكنتيون ، وأهل "
شيخ سيدي " في
بوتلميت ، وأهل
الشيخ محمد الفاضل ، ولكل من هـذه المراكز الثلاثة فروع أو تفرعات بالسنغال؛ منها:
· مركز (
أنجاسان N" DIASSANE ) ويقع على بعد حولي (70 ) كيلومترا من
داكار ، يجتمع فيه أتباع الكنتية حيث يوجد ضريح أحد زعمائهم، "
الشيخ بوكنت " المتوفى سنة 1914م. ينتمي جل أتباع الكنتية إلى جماعة " بامبارا " التي هـي من
جمهورية مالي ، وذلك لامتداد نفوذهم في ذلك القطر قبل انتشار
التيجانية ، وخصوصا في (ماسينا وسيغو ) التابعين لهم روحيا قبل حركة الحاج عمر الفوتي . ولعل كون غالبية أتباع زاوية (أنجاسان ) من أجناس غير سنغالية قلل كثيرا من نفوذ
القادرية الكنتية في السنغال قياسا إلى نفوذ الزعامات الطرقية الأخرى.
على أن (أنجاسان ) تستقبل، بمناسبة موسم المولد النبوي الخاص بها آلاف الزائرين يفيدون إليها من مناطق نائية، وخصوصا من جمهورية مالي.
· منذ عهد قريب برزت مراكز قادرية جديدة بفضل التقليد دون أن تكون لها جذور تاريخية ولا أصول ثابتة: كمركز (
مكا كوليبنتان MAKA
[ ص: 133 ] COLIBANTANG )
الذي تتزعمه عائلة (جابي جاساماDIABY GASSAmA ) وهي جماعة (جاخنكي DIANKE )
>[2] التي هـاجرت في الستينيات من
غينيا (كوناكري ) إثر نزاع نشب بينها وبين الرئيس
سيكوتوري ؛ وتتميز احتفالاتهم بالصخب، حيث تمتزج التهليلات والأهازيج الدينية بدقات الطبول وإيقاعات (كوري ) وبدع لا تحصى؛ شأنهم شأن باقي الطرق الصوفية.
· وفي جنوبي السنغال مركز
دار السلام الذي أسسه أحد أحفاد
الشيخ محمد الفاضل هـو
الشيخ محفوظ بن طالب خيار المتوفى سنة 1917م. وتوجد أنشط الزوايا القادرية في
موريتانيا المجاورة في:
· بلدة
بوتلميت ، وليس مؤسسها سوى أحد تلامذة
الشيخ سيدي المختار الكنتي ، وهو الشيخ سيدي الكبير (1780 -1869م ) وقد أدى حفيده
الشيخ سيدي بابا المتوفى سنة 1923م دورا خطيرا لتوسيع دائرة القادرية في
السنغال ،
وغامبيا والأقطار الأخرى المجاورة؛ تحصل هـذه الزاوية على أهم أتباعها من جماعة (ماندنكي ) .
وبجوار
بوتلميت مركز
نمجاط حيث قبر
الشيخ سعد أبيه بن محمد الفاضل المتوفى سنة 1917م، ويجوب كل سنة مئات الزائرين من أتباع هـذه الزاوية الصحراء تحت أشعة شمس محرقة للاحتفال بعيد الفطر تحت الخيام على جنبات كثبان الرمال المبعثرة هـنا وهناك حول ضريح شيخهم الذي تنسب إليه الكرامات .
وتنبني القادرية ، شأن التيجانية ، على أسس أخلاقية راقية، تدعو إلى التمسك بقواعد الإسلام، وتحث أتباعها على الرأفة والتسامح
[ ص: 134 ] والتواضع، فهي من هـذه الزاوية لا غبار عليها، ولعل علو بعض أتباعها في تقديس زعمائها يدخل الريبة على النفس؛ خصوصا وأنهم يعطون أحيانا الأولوية لشؤون الطريقة. وتتراوح أذكار
القادرية بين البساطة والتعقيد، طبقا لاختلاف رتبة المريد ، ويبدو أنها أذكار خالية من عوامل التشويق: فلا إنشاد ولا تطريب ولا حضرة تضم مجموعة من الناس، وافتعال جذب واختلاق حالة الوجد ...
وتعرف الطريقة القادرية اليوم تقهقرا ملحوظا وتناقصا في عدد الأتباع منذ ما وصلت
التيجانية إلى غربي أفريقيا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، ومنذ أن تطورت
المريدية في القرن العشرين الحالي وامتازت بنوع من الركود والفتور بينما أثارت التيجانية حماسا دينيا منقطع النظير، واتهمت القادرية بالتواطؤ والتساهل مع (تيدو ) ثم ظهرت المريدية لتستقطب البقية الباقية من أتباع القادرية.