المسلمون في السنغال (معالم الحاضر وآفاق المستقبل)

عبد القادر محمد سيلا

صفحة جزء
الاتحـاد الثقـافي الإسـلامي

يعتبر الاتحاد الثقافي الإسلامي بحق أم الجمعيات الإسلامية بالسنغال التي تتوفر فيها الشروط للعمل في الحقل الإسلامي؛ وكان يتمتع برصيد كبير من الحصافة والرصانة، سواء من حيث مستوى تنظيماته وإداراته، أم من حيث مستوى مواقفه السياسية والدينية وتطلعاته في ميدان نشر التعليم الإسلامي العربي.

تم تأسيس الاتحاد الثقافي الإسلامي سنة 1953م على أيدي جماعة تأثروا بالأفكار الإصلاحية السائدة منذ بداية مطلع هـذا القرن، في المغرب وفي المشرق العربيين: فقد درس بعض قادة الاتحاد على شيوخ إصلاحيين في الجزائر بمعهد الشيخ عبد الحميد بن باديس بقسنطينة ، وطائفة أخرى من مؤسسيه تعرفوا على الحركة الإصلاحية الدينية من الإخوان المسلمين بالقاهرة .

وتميزت بداية نشاط الاتحاد الثقافي الإسلامي بحماس كبير وحركة [ ص: 158 ] دائبة، وكان أيام الاستعمار محل متابعة واضطهاد وتنكيل ومطاردة، وكانت الإدارة الأجنبية تتهمه بالعمل من أجل إحياء الجامعة الإسلامية بإيعاز من قوى معادية لفرنسا ، ودامت المجابهة هـذه زهاء سبع سنوات، وكان حصول السنغال على استقلاله بنهايتها، وفي الوقت ذاته بدأ الاتحاد يفقد نفوذه على إثر قبول رئيسه " شيخ توري " وظيفة حكومية، إذ خفف من تهجماته على النظام القائم، وتزامن ذلك مع تكاثف مطالب الجمعية حول توظيف أعضائه في جهاز الإدارة بغية اكتساب حياة مستقرة ومضمونة. وكانت للاتحاد فروع في كل من مالي ، وغينيا ، وفولتا العليا ( بوركنافاسو ) ، وساحل العاج ، وتوغو .

ومما يؤسف له حقا أن ذلك التاريخ المليء بالنضال والبطولات أصبح أثرا بعد عين، حيث يجتر الاتحاد تلك الذكريات المجيدة، بينما صار اليوم هـيكلا عظميا أجوف لا روح فيه ولا حراك له، بعد أن ابتعد المثقفون الذين كانوا يحركونه وانصرف عنه مناضلوه الحقيقيون، وجل أعضائه اليوم من السيدات اللائي يملأن قاعات احتفالاته دون مساهمة تذكر.

ومن الإنصاف أن نسجل هـنا بكل صدق وأمانة ما نهض به الاتحاد الثقافي الإسلامي من عبء بهدف دفع حركة الإصلاح إلى الأمام، وما دعا إليه لتعرية المتاجرين باسم الإسلام، ونازل كل من سولت له نفسه الوقوف أمام التيار الإصلاحي، ورأى أنه " يصبح التصلب ضرورة عندما يستحيل الحوار " لكنه لا يقطع أولئك الذين يعرضون عنه بل " يجب الاتصال بهم بهدف إقناعهم " وحتى " المدافعون عن مصالحهم الشخصية والمعادون يلزم التماس صداقتهم " في حين أن المساندين لا ينبغي تخييب ظنهم " وكانت الزعامة الطرقية هـدفا لحملات الاتحاد، [ ص: 159 ] وذلك عبر محاضراته وإرشاداته التي ينظمها من حين لآخر في الأماكن العمومية والمساجد والمدارس.

ورغم النشاط الدؤوب المشهود للاتحاد فإنه عجز عن ترسيخ أسس مؤسسة اجتماعية أو تعليمية على مدى ثلاثين سنة من العمل في الحقل الإسلامي، ويعود السبب في ذلك إلى ضآلة إمكاناته المادية، إذ ما كان يتوفر على مصدر مالي عدا اشتراكات أعضائه، وسبقت الإشارة إلى أن الهيئات الإسلامية محرومة من المساعدات التي كانت تقدم إلى الهيئات الثقافية في ظل الإدارة الاستعمارية.

وقد انعكس أثر هـذا العجز على تمويل مشاريعهن وعلى نزاعه مع الزعامات الطرقية التي تملك الملايين، وتستطيع تعبئة مئات الآلاف من الأتباع عندما يحلو لها ذلك.

لقلة إمكانات الاتحاد فإنه كان يأمل أن تقوم الدولة بإنجاز برامجه " نحن متأكدون أنه إذا تحررت العقيدة الإسلامية من الشوائب الزائفة التي حاصرتها إلى حد الاختناق، تصبح وسيلة نشطة للتقدم، لقد خضع الإسلام للتشويه والتحريف، ويجب انبعاثه، ولا يمكن تحقيق ذلك بشكل مرض ما لم تهتم الدولة بهذا العمل " >[1]

التالي السابق


الخدمات العلمية