المبحث الثالث: من المشاركة إلى المرابحة
يتضح من العرض السابق لخلاصة النظرية أن النماذج المقترحة للبنك الإسلامي كانت تتفاوت بين عدم تقاضي أي عائد على التمويل الذي تقدمه البنوك للمؤسسات، أو على أن يأخذ العائد صورة حصة في الربح والخسارة على أساس من عقد المشاركة أو عقد المضاربة.
ولا يخفى ما لهاتين الصورتين من طابع إسلامي مميز ومرتبط بصورة واضحة بالأساس النظري في الاقتصاد الإسلامي، وإذا كانت الصورة الأولى لا تصلح عمليا في غير الدولة التي غيرت نظماها الاقتصادي بأكمله إلى النظام الإسلامي فان الصورة الثانية تصلح في هـذه الحالة كما تصلح في حالة قيام بنوك إسلامية في وسط غير إسلامي.
ولم تتحدث أي من هـذه الدراسات المبكرة عن بيع المرابحة كأداة من أدوات العمل المصرفي الإسلامي، وأول من تحدث عن ذلك هـو الدكتور سامي حمود في رسالته للدكتوراه سنة 1976م، ورغم حداثة فكرة استخدام بيع المرابحة إلا أن البنوك الإسلامية - للأسباب التي عرضنا لها في الفصل الأول من الباب الثاني - قد توسعت في استعمال صيغة المرابحة إلى حد كبير على حساب الصيغ الأخرى مثل المضاربة والمشاركة والإيجار. [ ص: 184 ]
ولا تظهر ميزانيات البنوك الإسلامية تحليل استثماراتها وفقا للصبغ المستعملة بحيث يمكننا إيراد إحصاءات في هـذا الصدد، ولذلك نكتفي بحالتين واضحتين ورد بهما تحليل للاستثمارات أحداهما: بنك دبي الإسلامي حيث أوردت ميزانيته عن سنة 1984م بالبيان التالي:
مليون درهم 1984 1983 استثمارات (في مشاركات دائمة وعقارات) 126 143 مرابحات 731 277 مشاركات (مؤقتة) 16 22 تمويل بالمشاركة مع شركات تابعة وشقيقة 44 20 المجموع 917 462 نسبة المرابحة إلى مجموع الاستثمارات 80% 60%
[ ص: 185 ]
والحالة الثانية هـي بيت التمويل الكويتي حيث نشرت مجلة النور الصادرة عنه إحصاء مقارنا أعدته إدارة التخطيط والدراسات نوجزه على النحو التالي:
النوع / السنة 79 80 81 82 83 84 الاستثمار العقاري 50,9 38,5 37,4 49,9 62,1 63,2 القطاع المصرفي 13,1 20,5 19,6 17,8 13,5 13,8 الاستثمار التجاري - 00,8 00,2 00,9 00,3 00,3 بيع الأجل والمرابحة 36 40,2 42,8 31,4 24,1 22,7 100 100 100 100 100 100
أما ميزانيات باقي البنوك الإسلامية فلا تظهر تحليلا لاستثماراتها من هـذه الناحية، ونأخذ مثالا على ذلك بنك فيصل الإسلامي المصري الذي لا يمكن معرفة نسبة المرابحات بين عمليات رغم ورود التحليل بالميزانية على النحو التالي:
مليون دولار % مشاركات ومرابحات ومضاربات قصيرة الأجل (تمويل جار) 757 41,2 مشاركات ومرابحات ومضاربات متوسطة الأجل (تمويل استثماري) 236 12,8 مساهمات وتأسيس شركات واستثمارات مباشرة 95,5 5,2 مضاربات شرعية 749 40,8 الإجمالي 1837,5 100
[ ص: 186 ]
فإدماج المرابحات مع المشاركات والمضاربات من ناحية، والتعبير عن التوظيفات الخارجية بعبارة ((مضاربات شرعية)) - مع أن المتبادر إلى الذهن أنها تتم بطريق المرابحة في أسواق السلع الدولية - لا يمكن معه التوصل إلى تحليل ولو تقريبي من هـذه الناحية.
أن زيادة نسبة الاستثمار بالمرابحة في البنوك الإسلامية ظاهرة نرى أن تهتم بها هـيئات الرقابة الشرعية، وان تأخذها بعين الاعتبار عند تدقيق عمليات البنوك الإسلامية.
ويترتب على هـذه الظاهرة عدة نتائج:
1 - المفارقة الأساسية للتطبيق العملي عن الأساس النظري الذي يقوم على مشاركة المال في نتيجة النشاط خلافا لما تجرى عليه البنوك التقليدية من اقتضاء عائد التمويل (في صورة الفائدة المحددة مسبقا) بصرف النظر عن نتيجة النشاط، وصيغة المرابحة لا تختلف عن ذلك، إذ إن عائد التمويل يتمثل في صورة هـامش مرابحة محدد مسبقا ولا يرتبط بنتيجة نشاط العميل الذي اشترى البضاعة بالمرابحة.
2 - أن المجال الرئيس لبيع المرابحة هـو في القطاع التجاري، وان كان يستعمل كذلك في تمويل رأس المال العامل في القطاعين الصناعي والزراعي، إلا أن ذلك محدود إذا قورن بالتجارة.
3 - أن المجال الرئيس للتمويل بالمرابحة هـو في التجارة الخارجية أكثر منه في التجارة المحلية، وانه بالذات في مجال الاستيراد أكثر منه في مجال التصدير.
ولا يخفى أن تنشيط مجال الاستيراد - على ما فيه من إغراء في الربح السهل الوفير - فيه أسهام غير مباشر في اختلال الميزان التجاري للبلدان المستوردة، ولو أن البنوك الإسلامية وضعت نصب عيونها تنشيط التصدير وما يحتاجه من تمويل رأس المال العامل للصناعات التصديرية لكان هـذا إسهاما يذكر لها في إصلاح الميزان التجاري في البلدان التي تعمل فيها. [ ص: 187 ]
وعلى كل حال فإن اقتراحنا الأساسي في هـذا الصدد هـو تحديد استعمال البنك الإسلامي صيغة المرابحة بنسبة مئوية من مجموع سلة المودعين على النحو السابق تفصيله في المبحث الثاني من الفصل الثالث من الباب الأول.
التالي
السابق