المقدمة

في حياة الشيخ الندوي وقائع وأحداث وتجارب، وعلاقات وآراء ومواقف تبرز اهتمامه بالقضية الإسلامية، وحسن إداركه لها، وتعكس ما طرأ عليها من متغيرات خلال أكثر من نصف قرن؛ لقد منحت العقيدة الإسلامية الشيخ الندوي البصيرة والرأي والموقف، بحيث لا يمر حادث في العالم الإسلامي إلا ويكون في اهتمامه، يرصد وينصح، يعالج بالفكر، ويقترح الحل، ولما كان مترفعا عن الدنيا وعما في أيدي الناس - حكاما ومحكومين - فإن لكلماته ولنصحه وقعا مؤثرا ونفاذا خاصا.

من هـنا قد يبدولشخصية الندوي أكثر من جانب؛ فعلى المستوى العلمي، لا تزال رعايته لـ"ندوة العلماء" مستمرة، تؤتي ثمارها حتى أصبحت تعرف به منذ أن حمل أمانتها - بالانتخاب - بعد الدكتور السيد عبد العلي الحسني (1380هـ-1962م) .

درس وحاضر في الجامعات الإسلامية بالهند وخارجها، وأسس "المجمع الإسلامي العلمي" في لكهنؤ (1378هـ-1959م) .. و "جمعية التبشير بالإسلام بين الهندوس".

له مؤلفات باللغات الإنجليزية والهندية والأوردية والعربية، تشغل حيزا كبيرا من مكتبة المسلم وثقافته، ويرجع إليه الفضل في تعريف العالم الإسلامي برجال الفكر والدعوة - وخاصة علماء الهند - وآثارهم في العلوم والثقافة الإسلامية.

وعلى المستوى الشخصي يعتبر الندوي من القلائل الذين يلمح المرء فيهم الإخلاص في العمل، والسداد في الرأي، والحكمة في معالجة الأمور، ومناصحة أئمة المسلمين وعامتهم، ولا نزكي على الله أحدا.

لذلك لم يتوقف عن عملية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يوما، ولم ينعزل عن الحياة أو يتخذ إزاءها موقفا سلبيا.

منهجه: التربية بالقدوة ورفض التعصب الحزبي، ولعلنا نلاحظ أثر هـذا المنهج في طبيعة علاقاته مع العاملين للإسلام على مختلف مواقعهم، فهو لا يزال في صفوف الناس وقريبا منهم، يألفهم ويألفونه، حتى الطفل الصغير يألفه ويأنس به على الرغم من أنه يشتغل بالقضايا العلمية. [ ص: 17 ]

ونرجو أن يكون الحوار معه كفيلا أن يعطي بعض الملامح لشخصيته ونظرته للقضايا.

نرى أن يكون الحديث في ثلاثة مجالات:

· الدعوة الإسلامية بشكل عام؛ فالأستاذ الندوي ليس ملكا للهند وحدها، وإنما هـو ملك للمسلمين جميعا، وله في ثقافة كل مسلم - من خلال ما قدمه من كتب - نصيب.

· في إطار الهند: واقع الثقافة الإسلامية، وما قدمه علماء الهند في مجال العلوم الإسلامية واللغة العربية من جهود.

· ما يمكن أن يسدي للعاملين في الحقل الإسلامي على ضوء التجارب السابقة، من نصائح لترشيد العمل الإسلامي، والأخذ بيده إلى الطريق الشرعي الصحيح، والحيلولة دون سقوطه في بعض المزالق التي يمكن أن تكون ناتجة عن ردود الفعل أو ضغوط المجتمعات المعادية للإسلام. وهنا يمكن أن يكون للحديث أهمية خاصة.