حضارة العصر: أين نحن منها؟
إن الحديث عن الحضارة هـو حديث الساعة، بل هـو حديث العصر، ولغته، وأسلوبه.
والحضارة في مفهومها العام: هـي سلوك ونظام، وقيم ومعان، وأسس ومبادئ، ومنظومات وطبيعة حياة، يزخر بها مجتمع ما، وتسيطر على مجريات الأحداث فيه، يدعمها ويحافظ على بقائها عمل متصل، وفعالية [ ص: 25 ] عالية مرتفعة، يسهم فيها كل إنسان قادر مؤهل بقدر طاقته وتأهيله، وتبقى الحضارة والرقي ما بقي العمل المتصل، والعطاء المتجدد، والفعالية المرتفعة، فيتطور الفكر ويتفاعل، وتبرز المخترعات، وتتطور الاكتشافات، لتنتج أدوات تلك الحضارة ومنجزاتها.
وحضارة الغرب: هـي حضارة العصر التي بسطت رواقها، ومدت آثارها في كل محفل وناد وبقعة من أرض الله، بحيث لا يلتفت الإنسان يمينا أو يسارا إلا ويجدها قد احتوته من كل جانب، وحاصرته في كل اتجاه. وأخذت عليه طريقه، فردا وأمة ... في مطعمه، ومشربه، وملبسه، ومسكنه، وصناعته، وتجارته، وزراعته، ومواصلاته، وعتاده، بل وكل شيء في حله، وفي ترحاله ... بحيث لو نادى الإنسان المسلم على وجه الخصوص، أو هـتف بكل ما حوله أن يعود من حيث أتى، لفجع من هـول النتيجة حيث يفاجأ بأنه وحده، وليس من حوله مما صنعت يداه شيء.
شكل هـذا كله ضغطا على إنسان العصر، بدا واضحا على مسيرة وأسلوب حياة إنسان المجتمعات النامية عامة، والمسلم خاصة، حتى لكأن الأمر غدا ظاهرة يتكرر حدوثها كل عشية وضحاها في مجتمعاتنا المسلمة، لتعيش بيننا، ونتعامل معها، وبها، ولها.
التالي
السابق