2- مبدأ الواقعية في صياغة الشريعة.
نقصد بالواقعية نظم الأحكام الدينية نظما يتكون منه نسق مخصوص، يقدر لمعالجة وضع واقعي من أوضاع المسلمين، فتراعى فيه خصوصياته وملابساته، بحيث يكون ذلك النسق منصبا على ذلك الوضع بذاته، يقوم وجهته وفق هـدي الدين، هـو بذلك يشبه أن يكون فتوى في شكل موسع، متعدد العناصر، تتعلق بواقع معين، وتبني بحسبه، وقد لا تصبح صالحة إذا ما تغيرت معطيات ذلك الواقع وأسبابه.
ويظهر مفهوم الواقعية هـذا بينا إذا ما قورن بضده متمثلا في العمل على معالجة وضع واقعي من الأوضاع، باقتطاع جملة من الأحكام المتعلقة به، من سياقها المجرد، المقرر في المدونات الفقهية، أو استحضار فتاوى في نوازل قديمة مشابهة، ثم الاكتفاء بذلك النسق في أحكامه المجردة، أو فتاواه القديمة، ليقدم علاجا للوضع الواقعي، إن هـذا العمل في معالجة الواقع، لا يتصف
[ ص: 71 ] بالواقعية بل هـو "اجتهاد " يقفز على الواقع، ويفصل بينه وبين أحكام الدين، وقد كان هـذا أسلوبا رائجا في عهد الجمود الفقهي، وهو الجمود الذي ورثته أجيال اليوم، ولا تزال محكومة بالكثير من آثاره.
ولا يتحقق مبدأ الواقعية، إلا بجملة من الإجراءات، يرجع بعضها إلى التعامل مع الواقع المراد ترقية التدين فيه، ويرجع بعضها الآخر إلى التعامل مع الأحكام نفسها، المراد صياغتها صياغة واقعية.
(أ ) تمثل الواقع نعني به الاستيعاب المعرفي الشامل والمفصل للصورة الواقعية من الحياة، التي يراد معالجتها بالهدي الديني، ولا يتم هـذا الاستيعاب إلا بالكشف عن حقيقة تلك الصورة، في عناصرها الظاهرة والخفية، وفي علاقتها بالصور الأخرى، التي لها بها علاقة، وفي أبعادها الفردية والاجتماعية والدولية، وفي مظاهر الخلل، التي تتأتى الأضرار منها، فتفوت مصالح الأفراد والجماعة، وكل ذلك يراعى فيه عناصر التشخيص التي تتعلق بالظرف المكاني والزماني للصورة المدروسة بعيدا عن التعميم، الذي لا يقوم على أساس من الاشتراك في تلك العناصر.
وعندما يتعلق الأمر بواقع المسلمين اليوم من حيث يراد صياغة منظومة أحكام ترتقي بتدينه إلى الدرجة الأفضل، فإنه يكون من
[ ص: 72 ] المطلوب تقسيم هـذا الواقع إلى صور متعددة، تتنوع بحسب تنوع مجالات الحياة من جهة، وبحسب تنوع البيئات من جهة أخرى، تم تدرس كل صورة من الوجوه التي ذكرناها آنفا، باستعمال الآلات التي بيناها في الباب السابق. فإذا بالصورة الاقتصادية من واقع المسلمين على سبيل المثال جلية للمجتهد في دقائق خيوطها، ومتشابك أسبابها، ومختلف علاقاتها بالصورة الاجتماعية والسياسية والثقافية، وفي الإخلال الطارئة عليها مسببة الإضرار بالناس أفرادا أو فئات، وعيا في ذلك كله بما هـو مشترك في الصورة الكبرى لواقع المسلمين، وبين ما قد يكون خاصا بجزء من تلك الصورة دون آخر، بحسب اختلاف البيئات.
وبهذا الاعتبار، فإنه من البين، أنه لا يجدي نفعا ما يسلكه بعض العاملين للإسلام، في مضمار اقتراحات يقدمونها لإصلاح الواقع الإسلامي، ينطلقون فيها من تصورات غائمة لهذا الواقع، محكومة بنظرة جملية تلمح إلى مظاهر الخلل، فتبني منها تقويما يكون أميل إلى المعيارية، منه إلى الوصفية الكاشفة، فتغلب بذلك نزعة الرفض والإلغاء، ولا يكون للفهم الموضوعي إلا حظ ضئيل، وقد لا يكون له حظ في كثير من الأحيان؛ ذلك لأن هـذا الحكم الجملي المعياري على الواقع لا يمكن من صياغة العلاج المناسب له في خصوصياته الشخصية، وإنما هـو يضطر إلى اقتطاع جملة من الأحكام الشرعية في صيغتها المجردة، التي تستهدف
[ ص: 73 ] الوقائع الإنسانية المطلقة، فلا يكون ذلك المجرد العام صالحا لعلاج المشخص المخصوص، وكثير من مآلات الفشل، التي تبوء بها حركات الإصلاح الديني، ترجع إلى هـذا السبب.
إن واقع المسلمين هـما شط به الانحراف في مجال من مجالاته، أو في أكثر من مجال، فإنه لا يخرج عن أن يكون واقعا تختلط فيه عناصر من الباطل، بعناصر من الحق، تبقى مستصحبة في ضمير الأمة، وفي جوانب من حياتها، وذلك أحد معاني الوعد النبوي، بأن هـذه الأمة لا تجتمع على الضلال.
>[1] وعلى هـذا الاعتبار، فإن كل خطة شرعية لتقويم الحياة الإسلامية وفق الهدي الديني، ينبغي أن يؤخذ فيها بعين الاعتبار ما استصحب من عناصر الحق، وما طرأ من عناصر الباطل، وهو ما يدعو إلى كشف موضوعي علمي على الصور الواقعية لتلك الحياة، لتأليف خطة تبقي على عناصر الحق فيها، وتغير من عناصر الباطل، ارتقاء في ذلك بالصورة الواقعية إلى مقتضيات التدين الحق. أما الإلغاء الجملي للواقع بقصد تأسيس واقع جديد مثالي فإنه لا يدفع إلى صياغة واقعية للأحكام، بل يؤدي إلى استحضار لأحكام الشرع في نظمها المجرد، لتكون منها خطة الإصلاح خطة مثالية غير واقعية.
[ ص: 74 ] (ب) نظم الأحكام ونعني به الإجراءات العملية في التعامل مع الأحكام الدينية نفسها، في سبيل بناء خطة الترقية الدينية، وهي إجراءات يعمد فيها إلى الأحكام الدينية فتؤلف منها منظومة في شكل خطة منصبة على الصورة الواقعية، التي وقع استيعابها بالكشف العلمي عن حقيقتها، وبهذا الاعتبار فإنها تكون إجراءات قائمة على المراوحة بين الحكم الديني من جهة، وبين الصورة الواقعية من جهة أخرى، فيوجه الحكم توجيها يناسب تلك الصورة، من حيث تحقيق المصلحة فيها. وربما يكون من أهم مظاهر تلك الإجراءات ما نذكره تاليا.
أولا: إدراج الصور الواقعية الحاصلة في مجال الحياة ناشئة بالتقليد أو بالاقتباس أو بالاستحداث، إدراجها ضمن نوعها الذي ورد فيه حكم شرعي، حتى يعرف بذلك حكمها، فيقع على أساسه إقرارها ضمن الخطة الشرعية المراد بها الإصلاح، أو إخراجها منها تبعا لما جاء في نوعها من المنع الشرعي.
ومثال ذلك أن يقع في سبيل خطة اقتصادية شرعية تتبع أنواع المعاملات المالية الواقعية، فيميز بين ما كان منها مندرجا ضمن نوع الربا، وما كان منها غير مندرج، أو تتبع وجوه الاستهلاك السائدة عند الناس، فيميز بين ما كان مندرجا ضمن الإسراف، وما كان غير مندرج، فتعتمد الصور التي لا تكون ربا، ولا تكون إسرافا في الخطة الاقتصادية الشرعية، لما انطبق عليها من وصف الجواز الشرعي.
[ ص: 75 ]
وقد بين
الإمام الشاطبي هـذا الإجراء الاجتهادي الواقعي وسماه بتحقيق المناط، وقال في شرحه: "معناه أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي، لكن يبقى النظر في تعين محله... ذلك أن الشريعة لم تنص على حكم كل جزئية على حدتها، وإنما أتت بأمور كلية، وعبارات مطلقة، تتناول أعدادا لا تنحصر، ومع ذلك فلكل معين خصوصية ليست في غيره، ولو في التعيين نفسه، وليس ما به الامتياز معتبرا في الحكم بإطلاق... فلا يكون الحكم واقعا عليها إلا بعد المعرفة بأن هـذا المعين، يشمله ذلك المطلق، أو ذلك العام، وقد يكون ذلك سهلا وقد لا يكون".
>[2] ويشير الشاطبي بهذا البيان إلى أن استيعاب الأحكام الدينية بالفهم لا يكفي بذاته في معالجة الوقائع بها، بل لا بد من اجتهاد تقع به المواءمة، بين كل واقعة، وبين الحكم الذي يخصها، فتنشأ من ذلك مجموعة من الأحكام المتخيرة توجه الأوضاع الواقعة، بمنع بعضها، وإقرار بعضها الآخر، بحسب اندراجها في تلك الأحكام، حلية وحرمة. وهذا ضرب من صياغة الأحكام (أي تهيئتها للتطبيق ) على أساس واقعي.
ثانيا: الموازنة بين الاحتمالات الممكنة، فيما مأخذه من الوحي ظني من الأحكام، وذلك باعتبار ما تحققه هـذه الاحتمالات
[ ص: 76 ] من المصلحة في الظرف الواقعي المعين، ثم اعتماد الاحتمال الذي يرجح أنه أكثر تحقيقا للمصلحة، واعتباره هـو الحكم الشرعي، وإدراجه ضمن خطة الإصلاح.
وقد كانت هـذه الموازنة معتمدا للإمام
ابن تيمية ، وتلميذه
ابن القيم ، فيما ذهبا إليه من ترجيح احتمال أن يكون حكم التطليق ثلاثا بلفظ واحد طلقة واحدة، على احتمال أن يكون طلاقا بائنا، مع أن الدليل الظني يتسع لهما جميعا، وذلك باعتبار ما يحققه هـذا الاحتمال من مصلحة، وما يدرأ من مفسدة، في ظروف ذلك الزمن الذي وجدا فيه، وهو ما بينه ابن القيم في قوله: "... فلما تغير الزمان، وبعد العهد بالسنة ولآثار القوم، وقامت سوق التحليل
>[3] ونفقت في الناس، فالواجب أن يرد الأمر إلى ما كان عليه في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وخليفته، من الإفتاء بما يعطل سوق التحليل، أو يقللها، ويخفف شرها، وإذا عرض على من وفقه الله وبصره بالهدى، ووفقه في دينه، مسألة كون الثلاث واحدة، ومسألة التحليل، ووازن بينهما تبين له التفاوت، وعلم أي المسألتين أولى بالدين، وأصلح للمسلمين ".
>[4] فقد كان تفشي التحليل، وما يسببه من ضرر بالغ بالأسرة والمجتمع
>[5] عاملا واقعيا في ترجيح
[ ص: 77 ] الحكم، باعتبار التطليق بالثلاث في لفظ طلقة واحدة، واختياره الحكم الشرعي المناسب للظرف الواقعي.
ولا تكون الأوضاع الواقعية مرجحة للاحتمال الذي يكون راجحا في ميزان الحجة العقلية المجردة فحسب، بل قد تكون مرجحة للاحتمال المرجوح في ذلك الميزان؛ إذ تقتضي تلك الأوضاع أن ينتخب المرجوح فيتخذ حكما شرعيا يعمل به، لما يرى من تحقيقه للمصلحة دون الراجح، وبهذا الاعتبار فإن الإفهام المرجوحة من دلالات الأحكام لا ينبغي أن تسقط في التراث الفقهي، كما جرى عليه الحال في عهود الجمود؛ إذ هـي ذخيرة اجتهادية، قد تتكشف الأيام في حياة الأمة عن أوضاع تصلح لها تلك الإفهام علاجا، فتدرج ضمن ما يراد من خطط الإصلاح المتجددة. وهذا أيضا ضرب من تحكيم الواقع في صياغة الحكم الديني.
>[6] ثالثا: استحداث أحكام شرعية للوقائع المستجدة، التي لم ترد فيها أحكام دينية مباشرة. وهذا الاستحداث ينبني على أسس الدين ومقاصده العامة، ولكنه يكون محكوما بخصائص الوقائع المستجدة وعناصرها العينية، فيما تنبني عليه من صورة، وفيما تؤدي إليه من أثر فيه صلاح أو فساد. ويدخل في ذلك كله ما تنتهي إليه حياة
[ ص: 78 ] الناس من عادات وأعراف، وتقاليد ذاتية وخارجية، فتدرس جميعا دراسة مستقصية، تفضي إلى صدور أحكام شرعية، تتناولها بالإباحة أو المنع، وتصبح تلك الأحكام من ضمن ما يواجه به الواقع من مشروع ديني لتوجيه الحياة نحو الخير.
ولا يجدي في هـذا الباب إسقاط الفتاوى المستحدثة لوقائع وأوضاع سابقة، بل ولا الفتاوى المستحدثة لوقائع وأوضاع راهنة ولكنها تتلف في بعض معطياتها عما يراد علاجه من وضع معين، بل تستحدث لكل ظاهرة متميزة أحكامها الخاصة بها، بناء على تميزها؛ وذلك لأن الواقع "كل صورة من صوره النازلة نازلة مستأنفة في نفسها لم يتقدم لها نظير، وإن تقدم لها في الأمر نفسه فلم يتقدم لنا، فلا بد من النظر فيها بالاجتهاد"
>[7] لاستحداث الحكم الشرعي الذي يناسبها.
>[8]
وكلما تعقد واقع الحياة، وتشعبت علاقات الناس ببعضهم، وعلاقاته ببيئاتهم، كلما تكاثرت النوازل المستأنفة، والصور الجديدة، إما تولدا من ذات المجتمع المعين، أو انفعالا بمجتمعات أخرى، وهو ما يكون مدعاة لتكثيف النظر الاجتهادي،
[ ص: 79 ] بقصد تغطية كل صورة مستجدة بحكم شرعي يناسبها، في سبيل أن تنمو الحياة الإسلامية على هـدي من الدين، دون أن يؤدي زخم التنامي المتسارع في شعب الحياة إلى الانفلات عن أحكام الشرع، كما نراه يحدث في حياة الأمة الإسلامية منذ بدأت نهضتها الحديثة، حيث لم تجد لمستأنفات نوازلها في اتصالها بحضارة الغرب ما يرشدها من أحكام شرعية، تكون مستهدية بأصول الدين ومقاصده، ولكنها مبنية على ما تضمره تلك المستأنفات من مصالح ومن مفاسد.
رابعا: العدول عن أحكام جلية وقطعية إلى أحكام أخرى، تعتمد في معالجة نازل واقعية، بسبب أن هـذه النوازل لم تتوفر فيها الشروط، التي تجعل إجراء أحكامها عليها مفضية إلى مصلحة، بل يكون اعتماد تلك الأحكام فيها، مؤديا إلى مشاق تضر بالأمة، مما يستلزم تأجيلها، فلا تعتمد في خطط الإصلاح حتى تتوفر في الواقع شروط إثمارها للمصلحة.
وهذه الطريقة في الاجتهاد من أدق الطرق وأكثرها عرضة للزلل؛ ذلك لأن نوازل الواقع قد تكون مندرجة ضمن حكم شرعي جلي اندراجا واضحا، ولكنها في مجرى حدوثها، أو في مآلها، قد تكون مفضية إلى غير المصلحة، التي يبتغيها ذلك الحكم، فيكون اعتماد الحكم فيها مخلا بمقصد الدين في نفع الناس. ومن
[ ص: 80 ] جهة أخرى فإن العدول عن الحكم في إجرائه عليها قد يكون للهوى والتشهي مدخل فيه، بدعوى أن في هـذا العدول تحقيقا لمصالح قد تكون في كثير من الأحيان موهومة. وكم من حرج لحق الناس بسبب الاعتماد الآلي للأحكام، على كل ما يندرج تحتها من نوازل جزئية، تحرزا من تعطيل الحكم الإلهي. وكم من إهدار للأحكام الشرعية، بدعوى أن اعتمادها في بعض النوازل يؤدي إلى مفسدة، وهذا كله يجري اليوم في العالم الإسلامي، من قبل من يعتمد حرفية التطبيق الشرعي بصفة آلية، ومن قبل من يعتمد تعطيل الأحكام الشرعية بصفة مطلقة، بدعوى أنها لم تعد تؤدي في واقع اليوم إلى مصلحة.
وقد استحدث الأصوليون ضوابط في هـذه الطريقة، كي لا تحيد إلى الطرفين المرذولين. ومن أهم هـذه الضوابط مراعاة مآلات الأفعال، التي يقول
الشاطبي في شرحها: "إن المجتهد لا يحكم على فعل من الأفعال الصادرة عن المكلفين بالإقدام أو بالإحجام إلا بعد نظرة إلى ما يئول إليه ذلك الفعل مشروعا لمصلحة فيه تستجلب، أو لمفسدة تدرأ، ولكن له مآل على خلاف ما قصد فيه، وقد يكون غير مشروع لمفسدة تنشأ عنه أو لمصلحة تندفع به، ولكن له مآل على خلاف ذلك. فإذا أطلق القول في الأول بالمشروعية، فربما أدى استجلاب المصلحة فيه إلى مفسدة،
[ ص: 81 ] تساوي المصلحة، أو تزيد عليها، فيكون هـذا مانعا من إطلاق القول بالمشروعية، وكذلك إذا أطلق القول في الثاني بعدم المشروعية، ربما أدى استدفاع المفسدة إلى مفسدة تساوي أو تزيد، فلا يصح إطلاق القول بعدم المشروعية، وهو مجال للاجتهاد صعب المورد ".
>[9]
والاستحسان من ضوابط هـذه الطريقة، إذ هـو عند المالكية المتوسعين في استعماله "الأخذ بمصلحة جزئية في مقابلة دليل كلي، ومقتضاه الرجوع إلى تقديم الاستدلال المرسل على القياس ".
>[10] ويكون ذلك بأن يستثنى وضع خاص، أو نازلة معينة، من الحكم الذي ينطبق عليها، لدرء مفسدة تحصل بإجرائه عليها وجلب مصلحة بذلك الاستثناء. وقد عد صنيع
عمر بن الخطاب رضي الله عنه في تأجيل حد السرقة عام المجاعة عملا بالاستحسان.
>[11] [ ص: 82 ] هـذه بعض الإجراءات الاجتهادية، التي يتكون من مجملها مبدأ الواقعية في صياغة أحكام الشريعة، وتهيئتها لترشيد الواقع، سواء في التحقق من المناط، أو في الترجيح، أو في الاستحداث، أو في الاستثناء، بحيث تتوفر من ذلك كله قاعدة في الصياغة بالمعنى الذي حددناه لها، يكون فيها واقع الأحداث في حياة المسلمين عنصرا أساسيا في بنية هـذه الصياغة وانتظامها.
والتراث الفقهي للسلف من الصحابة، وأئمة الفقه من بعدهم إلى بعض القرون، مشبع بهذا المبدأ الواقعي، وخذ إليك مثالا بارزا فقه
عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، الذي واجه به التحولات الكبرى في حياة الأمة الإسلامية، من جميع جوانبها، بواقعية سددت مسيرتها على هـدي الدين،
>[12] وفقه
مالك بن أنس ، الذي بناه على قواعد واقعية، كعمل أهل المدينة والاستحسان والمصلحة المرسلة وسد الذرائع .