3- مبـدأ التكامـل.
-إن واقع الحياة من طبيعته التفاعل المستمر بين عناصره المختلفة، فما هـو اقتصادي، يؤثر فيما هـو اجتماعي، ويتأثر به، وكذلك الأمر بالنسبة لكل المجالات الأخرى. وقد تحصل للإنسان
[ ص: 83 ] مصلحة في جانب من جوانب حياته، إلا أنها تكون مجحفة بجانب آخر، فتؤدي فيه إلى ضرر؛ ولذلك فإن المعيار النهائي للمصلحة هـو غلبة النفع على الضرر، بعد التقويم العام، لما يئول إليه فعل ما من أثر فيهما معا. وليس للآثار التي تحدثها الأفعال من مضار ومنافع ضوابط قارة، تتطرد في كل حال، بل هـي منضبطة في مستوى الأجناس الكلية العامة فحسب، مثل انضباط ما يؤدي إليه الربا من ضرر، وما يؤدي إليه الصدق من نفع، وفيما تجري به وقائع الأفعال العينية قد تطرأ من الملابسات ما يخل بذلك الانضباط، فإذا بالفعل الذي من شأنه النفع تترتب عليه مضار في مجالات أخرى، وقد يكون العكس صحيحا.
إن هـذه المنطقية الواقعية، غير المطردة في انضباطها، تقابلها في أحكام الدين المجردة منطقية هـي أقرب إلى انضباط المطرد، فهذه الأحكام متناولة بالإلزام والمنع والإباحة لأجناس الأفعال في مفاهيمها المجردة، ولذلك فإنها تقنن لتلك الأجناس بحسب ما يغلب عليها في آثارها، من تحقيق مصلحة أو درء مفسدة، وذلك هـو ما يحصل في الأذهان عن الاجتهاد في تفهم الأحكام من أدلتها، إذ تنتظم هـذه الأحكام متكاملة غير متناقضة لما تجري عليه من منطقية تجريدية، محكومة أساسا بعصمة الوحي، من أن يكون بين أوامره تضارب أو تناقض، وقد دون فقه الأحكام في كتب الفروع على هـذا النحو من الاتساق، لما كان فقها مجرد في عهوده
[ ص: 84 ] الأخيرة على الأخص، وأما الاختلافات بين المذاهب فإن أكثرها حصلت في الطور الأول من عهد الأئمة المؤسسين، لما كان للواقع دور في تقرير أحكام الفقه.
وحينما يراد تطبيق الأحكام الدينية على الأوضاع الواقعية العينية، تواجه المسلم مشكلة التوفيق بين منطقية الفقه المجرد، وبين منطقية الواقع الجاري؛ إذ هـذا الواقع قد تطرأ على عناصره من الملابسات، ما تصير به بعض أفعال الإنسان مؤدية لو أجريت بحسب الحكم الديني المجرد إلى إلحاق ضرر به، في ناحية أخرى من نواحي حياته، قد يكون أبلغ من النفع الذي يحصل بذلك الإجراء، بسبب من ملابسات يقتضيها المنطق الذاتي لمجريات الأحداث الواقعية. ومثال ذلك أن حكم الإباحة حكم مطلق في الملكية الفردية، وهو حكم يثمر مصالح جمة، تتمثل بالأخص في التشجيع على الإنتاج، حتى يكثر الخير ويزدهر الاقتصاد، ولكن هـذا الحكم قد يؤدي إجراؤه في بعض الأحوال إلى أضرار اجتماعية جسيمة، مثل ملكية أماكن تتعين فيها مصلحة جماعية مؤكدة، أو ملكية سلع ضرورية للحياة بقصد الاحتكار.
وفي سبيل التوفيق بين الأحكام المجردة، وبين الوقائع الجارية، بما يدفع حياة المسلم إلى ما يحقق المصلحة ويدرأ المفسدة، ينبغي صياغة الأحكام، بالنسبة لكل وضع واقعي
[ ص: 85 ] مخصوص صياغة يؤخذ فيها بعين الاعتبار انعكاساته على مختلف جوانب ذلك الوضع، بحيث تتكامل المصلحة فيها، ولا يؤدي تحقيق نفع في بعضها إلى حصول ضرر في بعضها الآخر قد يفوق ذلك النفع، فيما يشبه تحوط الصيدلاني في صناعة الدواء من أن تكون لدوائه مضاعفات تلحق ببعض أجهزة الجسم ضررا، قد يفوق ما يحققه من شفاء، من الداء المراد علاجه، بحيث يجعله ذلك التحوط يعمل على تحقيق التكامل الإيجابي لآثار الدواء في جسم المريض. وهذه القاعدة في صياغة الأحكام الدينية هـي التي نعنيها بمبدأ التكامل الذي نحن بصدد شرحه.
ويتم التكامل الذي نعنيه بمراعاة جملة من القواعد يقع على أساسها صياغة الأحكام لمعالجة واقع معين، سواء بالترجيح أو الاستثناء أو الاستحداث، تضمن كلها توافق الآثار التي تؤدي إليها تلك الأحكام في تصرفات الناس، بما يحقق وجهتها نحو الله، ويعصمها من التناقض، الذي يثنيها عن تلك الوجهة. ونورد فيما يلي بعضا من تلك القواعد المحققة للتكامل.
أولا : فهم التشابك في الصورة الواقعية بين عناصرها المختلفة: النفسية والثقافية والاقتصادية والسياسية؛ وذلك لإدراك علاقات التفاعل بينها في اتجاهي الفعل والانفعال، فإدراك هـذه العلاقات في شبكتها الفردية والاجتماعية الواسعة أمر ضروري في سبيل تقدير
[ ص: 86 ] الآثار التي تصيب سائر العناصر، حينما ينزل حكم ما على عنصر معين منها بمقتضى طبيعة العلاقة الرابطية بينها.
وضرورة هـذا الفهم تزداد تأكدا في واقع المسلمين اليوم، بالنظر إلى ما آلت إليه حياتهم من تشابك وتعقد، وما أضحت عليه مصالحهم من تداخل، على بعد المسافات بينهم. وهو ما أحدثه تفنن الاختصاصات في مرافق الحياة، وتفرعها باطراد، حتى أصبحت المصالح في غاية الترابط بين أفراد الناس ومجموعاتهم. وقد وطد ذلك الترابط ما أصبح للدولة الحديثة من سلطة شاملة على المجتمع، حيث أصبحت قيمة على شئونه كلها، ولم تكن كذلك في التاريخ الإسلامي طيلة قرون. فهذه السلطة الشاملة للدولة جعلت من التركيب الاجتماعي وحدة تتماسك من بين ما تتماسك بما تشده به من حبل النفوذ، وهو الحبل الذي يكون به التأثير سريع الانتقال بين مجالات الحياة المختلفة. ووسائل الإعلام الحديثة، ومسالك الاتصال، التي جعلت العالم المترامي كالمدينة الصغيرة ساهما بحظ وافر في تنمية قابلية التفاعل بين الجوانب المختلفة من الحياة.
إن هـذا الموضوع الذي أصبح عليه واقع الحياة الإسلامية اليوم، في وثوق الصلة الانفعالية بين أطرافها يجعل الوقوف عليه بالفهم الدقيق من هـذا الوجه أمر بالغ الضرورة، في سبيل صياغة الحلول
[ ص: 87 ] الشرعية لعلاج مشاكله. ولم يكن التراث الفقهي مبنيا على قدر كبير من الفقه الواقعي، من جهة الترابط الانفعالي؛ إذ بساطة الحياة والاستقلالية النسبية لمسالكها لم يضطره إلى ذلك، إلا بقدر ما يفي بالوقوف على الأسس العامة لطبيعة الحياة الإنسانية، في وحدتها الفردية والاجتماعية؛ ولذلك فإن هـذه القاعدة في متابعة التشابك الفاعل بين أوجه الحياة تظل قاعدة تكتسب من الأهمية باطراد بقدر ما تتشعب حياة المسلمين، وتتشابك عناصرها، وتتعقد أسبابها. وهذا أمر يغفل عنه كثير من الدعاة اليوم، حيث يظنون أن أحكام الدين في منطقيتها المجردة كفيلة بأن تصلح من أحوال المسلمين، دون صياغة واقعية لها تتكامل بها آثارها في الإصلاح.
ثانيا: صياغة الأحكام السلوكية في إطار المبادئ العقدية. ولا نقصد المبادئ العقدية الأسس الأصلية للعقيدة الإسلامية فحسب، فذلك أمر بدهي في هـذا المقام، ولكننا نقصد المبادئ العقدية الخاصة بكل مجال من مجالات السلوك المختلفة، فإن لكل منها إطارا عقدي يفضي به إلى المرجعية العقدية العليا للدين. وخذ إليك مثالا في ذلك أن السلوك الاقتصادي إطاره العقدي الإيمان بأن الملكية الحقيقية لكل شيء إنما هـي ملكية الله تعالى، والإنسان ليس إلا مستخلفا على كل ما بين يديه من مقدرات، وفي هـذا الإطار ينبغي أن يتنزل سلوكه في المجال الاقتصادي، إنتاجا وتوزيعا واستهلاكا، وأن السلوك الاجتماعي بمعناه العام إطاره العقدي
[ ص: 88 ] الإيمان بكرامة الإنسان، وعلو قيمته، بمقتضى إنسانيته، وفي هـذا الإطار ينبغي أن تندرج جميع التصرفات الاجتماعية، وهكذا الأمر في كل وجه من وجوه النشاط الإنساني.
إن صياغة الأحكام المتعلقة بالتصرفات السلوكية على اختلافها ينبغي أن تقوم على الالتزام الواعي بهذه الأسس العدية، ومحاكمة كل حكم عند الترجيح أو الاستحداث إليها؛ إذ هـي بحكم مبدئيتها وتكاملها فيما بينها تقوم مقام العاصم، حينما يحتكم إليها، من أن تكون للأحكام آثار متناقضة مخلة بالمصلحة، فهي تقوم مقام المرجع الكلي، الذي ينسق الأحكام الجزئية، ويسوقها إلى التكامل، في توجيه الحياة إلى التدين الأكمل.
وتبدو الحاجة إلى هـذه القاعدة أشد، في تلك الأحكام التي يستحدثها لفقيه المجتهد، في طارئات النوازل، التي ليس فيها حكم سابق، فإن هـذه الأحكام إذا لم تكن ناشئة عن مرجعية عقدية، داخلها التعارض، فباءت آثارها بالضرر على المسلمين. هـذا وإن زحمة الطوارئ في واقع الحياة، لطبيعتها المنقلبة كثيرا ما تغري في سبيل استعجال الحلول الشرعية المناسبة لها بتناسي الإطار العقدي، الذي يجب أن تتنزل فيه تلك الحلول، فيأتي بعضها مناقضا للمصلحة من جوانب أخرى.
والمتأمل في التراث الفقهي كما انتهى إليه في عهود ضعفه يجد أن كثافة التفريعات فيه، وما استلزمته من بسط منطقي مجرد تنتظم
[ ص: 89 ] فيه فقها تعليميا مدرسيا، أدت في بعض الأحيان إلى غفلة عن المرجعية العقدية، التي ينبغي أن تستند إليها جزئيات الأحكام الفقهية، فكان ذلك من أسباب التعارض المخلة بالمصلحة. وخذ مثالا في ذلك من فقه السياسة الشرعية، حيث أجاز بعض الفقهاء ولاية السلطان المستبد، ومنعوا عزله إذا كان مقيما لشعائره الدينية، مع استبداده وظلمه، وهو ما يتناقض مع الأحكام التي جاء بها الذين لغرض تحقيق الأمن والعدل، ودفع الناس للتعمير في الأرض، وهي من غايات قيام الإمامة في الأمة. وإنما نشأ هـذا التضارب، من الغفلة عن تنزيل هـذا الحكم، الذي يشبه أن يكون إباحة للاستبداد في الإطار العقدي للسياسة الشرعية، وهو الإطار المحكوم بأن الإمام إنما هـو نائب عن الأمة، مفوض من قبلها، ليسوسها بحسب ما جاءت به الشريعة من العدل والشورى، واحترام الإنسان.
وفي هـذا العهد من حياة المسلمين، تعقدت مسالك الحياة، وتكثفت طارئات الأحداث، بما يدعو إلى المزيد من الاعتصام بالمبادئ العقدية، في سبيل مواجهة هـذا الوضع الواقعي المعقد بحلول دينية ترشد الحياة في غير تناقض. وهذا ما يستلزم من بين ما يستلزم إحياء البحث في المبادئ العقدية، في أبعادها العملية المتعلقة بالإنسان، من حيث مركزه في العقيدة الإسلامية خاصة، وتخليص هـذا البحث مما سقط فيه من تجريدية مجافية للواقع،
[ ص: 90 ] ومن تضييق لمفهوم العقيدة، انفصلت فيه التصديقات القلبية بالألوهية، والنبوة، والبعث، عن أبعادها في الحياة الاجتماعية، ثم جعل مباحث العقيدة على هـذا الوجه لازمة للبحث الاجتهادي في تصويب السلوك، حتى يكون له سند حاضر في الوعي، فتصاغ الأحكام المعالجة للواقع في إطارها المرجعي القريب، فتخلو بذلك من التناقض فيما تحدثه من آثار، وتتكامل في ترشيدها للحياة.
ثالثا: اعتبار مآلات الأحكام، فالأحكام المجردة التي تستفاد من أدلتها أو تستحدث بالاجتهاد تكون ضابطة للحق في جنس ما تمنع، أو تبيح من أفعال الناس، ولكنها عندما تحاكم إلى الأفعال العينية بظروفها الخاصة فإن بعض الأحكام قد لا تكون مؤدية إلى غايتها التي وضعت لها، بل قد تفضي إلى عكس تلك الغاية، وليس ذلك بسبب من الحكم ذاته، إذ هـو متمخض للحق، معصوم من الخطأ، ولكنه بسبب من الخصائص الواقعية للفعل، الذي طبق عليه جعلته يئول بالحكم إلى غير ما وضع له. ولهذا الأمر، فإن النظر الاجتهادي في الأحكام عند صياغتها لمعالجة واقع ما، ينبغي أن يأخذ بعين الاعتبار مآل الحكم، حينما يراد به تقويم فعل مخصوص من الأفعال بناء على الخصائص الظرفية لذلك الفعل، ولا يكفي فيه اعتبار المطابقة، بين الحكم، وبين الفعل من حيث جنسه. وهذا المعنى هـو الذي بينه
الإمام الشاطبي في قوله الآنف
[ ص: 91 ] الذكر، حينما قرر (أن اقتضاء الأدلة للأحكام بالنسبة إلى محالها على وجهين أحدهما الاقتضاء الأصلي قبل طروء العوارض، والثاني الاقتضاء التبعي، وهو الواقع على العمل مع اعتبار التوابع والإضافات ) .
>[1]
فهذا الوجه الثاني يدخل فيه اعتبار مآل الحكم في الواقع عند تقديره من دليله، فقد يفضي ذلك الاعتبار إلى العدول عن الحكم الأصلي إلى حكم غيره تقتضيه خصوصيات الواقع.
واعتبار مآلات الأحكام ينبغي أن ينبني على علم دقيق بأسباب التفاعل بين مجريات الأحداث في الواقع الذي يراد علاجه، بحيث يعرف بتلك الأسباب ما ينتج عن تطبيق حكم معين، على سلوك معين، من آثار صالحة أو ضارة، وعلى ذلك الأساس يقع إقرار ذلك الحكم، أو العدول عنه إلى غيره، بحسب ما يغلب على الظن أن تتحقق به المصلحة ويدرأ الضرر. ومن البين أن تقدير مآل الحكم في الواقع المعين يحتاج إلى استخدام الوسائل العلمية في التحليل، كما بيناه في الباب السابق، عند الحديث عن آليات فهم الواقع، وهو نوع من الاجتهاد الدقيق، الذي يحتاج إلى الكثير من الصبر في مغالبة الهوى، والإخلاص في النية لله تعالى.
ويتحقق التكامل باعتبار مآلات الأحكام بصور متعددة، تتلافى كلها التضارب بين ما يراد من الأحكام الشرعية من تحقيق مصلحة،
[ ص: 92 ] وبين ما قد يفضي إليه اعتمادها في ظرف معين من مضرة.
ومن هـذه الصور، أن يكون حكم ما مؤديا حينما يعتمد في مواجهة الواقع، إلى تحقيق خير في مجال. ولكن يؤدي في الوقت نفسه باعتبار خصوصيات ذلك الواقع، إلى ضرر قد يفوق ذلك الخير، ويأتي عليه بالنقض، فيعدل عنه إلى حكم آخر يتفادى به هـذا التناقض، ومثاله أن الحكم بإطلاق الإباحة في الملكية الفردية من شأنه أن يكون دافعا إلى غزارة الإنتاج، الذي يزدهر به الجانب الاقتصادي من حياة الأمة، ولكن في الظرف الذي تصير فيه الحاجات الضرورية للكافة غير مكفولة، بسبب قحط أو حرب أو غيرها، فإن هـذا الحكم بإطلاق الإباحة في الملكية الفردية قد يفضي إلى ضرر اجتماعي كبير بتفاقم الحاجات الضرورية، وما يؤدي إليه ذلك من اضطراب اجتماعي، قد يكون مدمرا لوحدة الأمة، ففي هـذا الظرف يعدل عن الحكم بإطلاق الإباحة في الملكية الفردية، إلى الحكم بتقييدها بما يدرأ المفسدة الاجتماعية.
ومنها أن تكون أحكام جزئية، مؤدية في ظروف خاصة إلى آثار تناقض ما تؤدي إليه أحكام كلية أساسية، ومثال ذلك ما نراه حاصلا في واقع المسلمين اليوم، لظروف تباعد المسلمين عن أخلاق الإسلام وعاداته، من أن الحكم الشرعي في بعض الأخلاق الاجتماعية، والعادات الشخصية، حينما اعتمده بعض الدعاة فيما أرادوا من إصلاح اجتماعي، أدى ذلك إلى نفور من قبل كثير من
[ ص: 93 ] أفراد المجتمع، مما يبشر به هـؤلاء الدعاة، من دعوة إلى الإسلام أصلا، وكان ذك مفضيا إلى ضرر كبير بأصل الدعوة، بسبب من اعتماد هـذه الأحكام الجزئية، ولو عدل عنها بالتأجيل اعتبارا لمآلها لكان خيرا لانتشار الدعوة، بتمكن أصول العقيدة التي هـي الأساس الأول.
ومن التطبيقات ذات العبرة لهذه القاعدة، ما أثر في الفقه الجهادي من أن أحكام الحدود لا تعتبر بالتطبيق عند الجهاد، تقديرا في ذلك لمآلها في ظروف الجهاد، من انكسار في النفوس، وتشبيط للهمم، يفضيان إلى مفسدة الهزيمة، التي تفوق أضعافا المصلحة المقدرة من تطبيق الحدود في الارتداء والردع. فهذا الحكم بعدم اعتماد الحدود أزال تناقضا محققا، كان يحصل بين الحكم بإمضاء الجهاد، وبين الحكم بإمضاء الحدود، وأفضى إلى التكامل المحقق للمصلحة العامة.
وليس من شك في أن قاعدة اعتبار مآلات الأحكام هـذه يحتاج إليها المجتهد في حل مشاكل المسلمين اليوم احتياجا ملحا، وذلك باعتبار الوضع الإسلامي المنبت في كثير من جوانبه عن المقتضيات الإسلامية، المتأثر في مجالات عدة بأحكام وافدة، من غير القانوني الإسلامي، فذلك يجعل الكثير من الأحكام المجردة، التي حملها التراث الفقهي، من عهود كان فيها المجتمع أكثر
[ ص: 94 ] إسلامية من مجتمع اليوم، ذلك يجعل الكثير منها، لو اعتمد في خطة الإصلاح، مع هـذه الظروف، لأفضى إلى تناقضات، تخل بإنجاز ذلك الإصلاح، فلا تتم الترقية المنشودة للتدين.