مقدمـة
الاقتصاد الإسلامي أحد العلوم الإسلامية، التي حظيت باهتمام واسع في السنوات الأخيرة تمثل ذلك في كثير من الكتب والأبحاث، وفي كثير من المؤتمرات وأيضا في تدريسه في الجامعات، وجاء في القمة من هـذا الاهتمام أن أصبح موضوعا للدرجات العلمية العالية، الماجستير، الدكتوراه.
الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي لم يتمثل في الأبحاث والدراسات عنه فحسب وإنما في التطبيق أيضا، فقد شهدت السنوات الأخيرة ظهور كثير من المؤسسات الاقتصادية التي تقوم على أساس تطبيق الاقتصاد الإسلامي؛ تمثل هـذا في المصارف وفي الشركات بأنواعها المتعددة، وهذه المؤسسات كانت موضع دراسة ومتابعة حتى من غير المسلمين في غير العالم الإسلامي، وذلك لما أحسوه من آثارها الاقتصادية وغير الاقتصادية في النهوض بالعالم الإسلامي.
وهذا الكتاب الذي أقدمه عن الاقتصاد الإسلامي يجيء في هـذا الإطار من الاهتمام بالاقتصاد الإسلامي. ومما أحمد الله عليه أن اهتمامي بالاقتصاد الإسلامي بدأ منذ أكثر من عشرين عاما، عندما قدمت رسالتي للماجستير في هـذا الموضوع إلى كلية التجارة بجامعة الأزهر، ومنذ ذلك التاريخ واصلت العمل والبحث في هـذا الحقل. والكتاب الذي أضعه الآن بين يدي القاريء المسلم أضمنه بعض ما اكتسبته في الاقتصاد الإسلامي خلال هـذه الفترة. [ ص: 17 ]
يحتوي هـذا الكتاب على أربعة فصول:
الفصل الأول: مرتكزات في الاقتصاد الإسلامي وأستهدف بهذا الفصل أن أبرز بعض موضوعات الأساس في الاقتصاد الإسلامي، واعتبرتها مدخلا للدراسة. وقد ناقشت في هـذا الصدد العلاقة بين علم الفقه، وعلم الاقتصاد الإسلامي. وعند مناقشة هـذا الموضوع طرحت كثيرا من القضايا التي تدخل فيه، والاهتمام الذي بذلته لإظهار ذلك له سببه الموضوعي الذي يتعلق بالموضوع في حد ذاته وله سبب يتعلق بما يلاحظه الذي يهتم بما يكتب عن الاقتصاد الإسلامي، إذ يجد أن هـناك خلطا بين موضوعي هـذين العلمين الإسلاميين : علم الفقه، وعلم الاقتصاد الإسلامي.
كما ناقشت في هـذا الفصل الثبات والتطور في الاقتصاد الإسلامي، وفي هـذا الموضوع أعطيت أيضا اهتماما بتحديد طبيعة الثبات والتطور في الفقه، وفي الاقتصاد الإسلامي. وقد مددت البحث في هـذا الموضوع إلى الاقتصاد الوضعي، لأقابل بينه وبين الاقتصاد الإسلامي في خاصية التطور والثبات.
الفصل الثاني: توزيع الثروات والدخول موضوع توزيع الثروات والدخول هـو الذي يميز بين النظم الاقتصادية المتعددة، ويجيء هـذا في الاقتصاد الإسلامي أيضا، إذ التوزيع من بين موضوعاته الرئيسة التي تميزه عن الاقتصاديات الوضعية. ولهذه الأهمية للتوزيع جعلته الموضوع الأول، بعد المرتكزات التي ناقشتها في الفصل الأول. وقد عرضت هـذا الموضوع في مبحثين ؛ في المبحث الأول عرضت لعناصر رئيسة في فقهه، أما المبحث الثاني فقد خصصته لتقديم محاولة عن نظرية توزيع إسلامية للثروات والدخول. وقد توسعت في عرض ذلك بقدر ما يسمح به هـذا الكتاب. [ ص: 18 ]
الفصل الثالث: ضوابط في المنهج الإسلامي لاستثمار الملكية واستخدامها موضوع هـذا الفصل له صلة قوية بالتنمية، وهي القضية الرئيسة التي تواجه مجتمعاتنا الإسلامية المعاصرة، ولهذا أعطيت الموضوع أهمية في هـذا الكتاب، فجعلته الموضوع الثاني الذي يبحث بعد موضوع التوزيع.
وأشير من البداية إلى أنني لم أقدم دراسة تفصيلية عن التنمية، وإنما أخذت ما يتعلق برأس المال، وما بحثته عن هـذا الموضوع يصنف بإجمال في موضوعين؛ الموضوع الأول ربطت فيه بين استثمار المال، هـذا الموضوع الاقتصادي، وبين العقيدة وعلاج الصراع الاجتماعي. والموضوع الثاني ربطت فيه بين الاستثمار، وبين التنمية والتوجيه، أو التخطيط الاقتصادي.
الفصل الرابع: النظام المالي الإسلامي الصفة الغالبة على موضوعي الفصل الثاني والثالث هـي أنهما يعتبران دراسة في القطاع الخاص، من حيث توزيع الملكية والدخل، ومن حيث استثمار المال، ولهذا خصصت هـذا الفصل الرابع للنظام المالي الإسلامي، وحيث يظهر دور الدولة. وما قدمته في هـذا الفصل لا يتعلق بدور الدولة التدخلي في الاقتصاد، وإنما يتعلق بالإيرادات والنفقات التي تكون الدولة طرفا فيها، ويسمى هـذا الفرع في الاقتصاد الوضعي باسم المالية العامة. ولم أستخدم هـذا المصطلح أي المالية العامة وإنما جعلت المبحث الأول في هـذا الفصل الرابع لمناقشة المصطلح الملائم للنظام المالي الإسلامي، كما أعطيت أهمية لدراسة بعض الإجراءات في النظام المالي. ثم أنهيت هـذا الفصل بدراسة عن أخلاق النظام المالي الإسلامي. وأشير بخصوص هـذا الموضوع الأخير إلى أنه منذ أن بدأ [ ص: 19 ] الحديث عن الاقتصاد الإسلامي، فإنه ربط بالأخلاق إلا أن ما كتب عن ذلك اتجه إلى الأخلاق على مستوى الفرد، أما ما قدمته عن هـذا الموضوع فإنه اتجه إلى إظهار العناصر الأخلاقية التي تلتزم بها الدولة، عندما تكون في الإيرادات والنفقات.
بقي أن أشير في هـذه المقدمة إلى أمرين : الأمر الأول، أن ما جاء في هـذا الكتاب انصب كله بصفة رئيسة على الاقتصاد الإسلامي، وما جاء عن الاقتصاد الوضعي إنما هـو إشارات قليلة اقتضتها الضرورة، وهذا المنهج يتيح عرض الاقتصاد الإسلامي باستقلال. أما الأمر الثاني فهو أن فقه الموضوعات التي بحثت في هـذا الكتاب لم يتوسع فيه، وإنما جاءت منه إشارات بالقدر الذي يلزم، أما ما توسعت فيه فهو المعنى الاقتصادي لهذا الفقه أو الأثر الاقتصادي لإعماله.
هذا هـو الإطار العام لهذا الكتاب، وأدعو الله أن يرقى ما جاء فيه إلى أن يكون إضافة إلى الاقتصاد الإسلامي، والحمد لله رب العالمين.
الدكتور: رفعت السيد العوضي [ ص: 20 ]
التالي
السابق