مقدمة
أصبحت فكرة حقوق الإنسان والدعوة إليها من الأمور الجوهرية في المجتمعات المعاصرة. وارتبط قيام مبادئ حقوق الإنسان والدفاع عنها في العصر الحديث - سواء في المجتمعات التي تنتسب إلى الإسلام أو غيرها - بالغرب الذي أصبح مرجعا للحقوق الإنسانية، حيث أسهم الاستعمار الغربي على المستوى العالمي في تأطير النظرية الغربية للمفاهيم المكونة للحقوق الأساسية للإنسان، وسعي في كثير من الدول إلى فرض قيمه ومنظوره عن الحياة، عن طريق القهر الاستعماري، والسيطرة الاستبدادية المادية في كافة مجالات الحياة.
وفي المجتمعات الإسلامية ترسخت المفاهيم الغربية عن حقوق الإنسان بسبب غياب المفاهيم الإسلامية المنظمة للحقوق الشرعية للأفراد والجماعات، مما أدى إلى بناء تصور للحقوق الإنسانية عند المسلمين مستمد من التجربة الغربية لمعالجة الواقع، ومحاولة الارتقاء بحقوق الأفراد والجماعات. ولذلك يمكن القول: إن المفاهيم والمبادئ الغربية صارت المرجع الأساسي لبناء قواعد اجتماعية لتنظيم الحقوق الفردية في العالم أجمع. ونجم عن ذلك سلب الحضارة الإسلامية مقومات وجودها كواقع ممارس في العديد من المجتمعات الإسلامية، وصارت "تراثا" عاجزا عن تنظيم الواقع، ومرجعا "أخلاقيا" محدود الأثر في الواقع التشريعي المعاصر المنظم لحقوق الإنسان.
ولهذا، فإنه من الأهمية بمكان بيان الإطار المنظم للحقوق الشرعية في النظام السياسي الإسلامي، وإبراز القواعد الفكرية التي تبنى عليها فكرة الحقوق الإنسانية في الفكر الغربي، وبيان تناقصها مع التصور الإسلامي للحقوق الشرعية للإنسان. [ ص: 23 ] ومن هـذا المنطلق، يعرض البحث الحقوق الشرعية للإنسان، ومصادرها ومقاصدها وتفصيلاتها، ويبرر اختلافها عن الحقوق الغربية الوضعية. كما يبرز البحث المفاهيم السياسية الإسلامية المنظمة للحقوق، ويؤكد أن قيام الحقوق الشرعية الإنسانية والمحافظة عليها، لا يتم في المجتمع الإسلامي إلا بالعودة إلى جذور الفكر الإسلامي، واستنباط التشريعات المعالجة للحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية من القيم الإسلامية الراسخة الثابتة.
الدكتور محمد أحمد مفتي . - الدكتور سامي صالح الوكيل . [ ص: 24 ]
التالي
السابق