دعوة سيدنا نوح عليه السلام :
.. وتعد دعوة
نوح عليه السلام دعوة السلام دعوة متفردة بين الدعوات السماوية، من حيث الزمن الذي استغرقته، إذ أستغرقت ألف سنة إلا خمسين عاما، قبل أن تؤتي ثمارها، وقد استمر نوح عليه السلام طوال هـذه السنين يدعو قومه إلى الإيمان، ويعمل على تغيير حالهم واستنفاذهم من الضلال، سالكا إلى ذلك شتى الطرق..
( قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا ) (نوح : 5) .
( ثم إني دعوتهم جهارا ) (نوح : 8) .
( ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ) (نوح : 9) .
ولكن.. دون جدوى، فقد تمسك القوم بكفرهم، وبالغوا في عنادهم، حتى جاء البيان من السماء
( وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون ) (هود: 36) ، وحينئذ فقط أيقن الرسول أن القوم الذين أرسل إليهم قد فقدوا إلى الأبد القابلية للهداية، وأيقن أنهم تحجروا على حالهم، ونادى متحسرا
( وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا ) (نوح: 26 – 27) .
[ ص: 158 ] .. فالمجتمع الذي تحجر على الكفر، لا أمل أن يلد إلا فاجرا كفارا، وكذلك هـي المجتمعات التي تحجرت على حال معينة، لا يمكن أن تتغير بغير الاستئصال، وهذا ما كان، فقد استجاب الله عز وجل دعوة رسوله، وأنجز له التغيير الذي أراد، فأغرق الكافرين، ونجى المؤمنين، في مشهد للتغيير، لم تشهد البشرية له مثيلا على امتداد تاريخها.
ويظهر التفرد في دعوة
سيدنا نوح عليه السلام من خلال النتيجة التي انتهت إليها، فالمؤمنون الذين ثبتوا على دعوة الحق كل تلك السنوات الطويلة، أصبحوا هـم سادة الأرض وعمارها، وغدوا من ثم نواة المجتمعات اللاحقة.