دعوة سيدنا عيسى عليه السلام :
.. فقد قام
عيسى عليه السلام بدعوة قومه للتوحيد قائلا:
( إن الله ربي وربكم فاعبدوه هـذا صراط مستقيم ) (آل عمران: 51) .. واستمر يدعوهم، ويرغبهم بالاستجابة لدعوة التوحيد، لكنهم لم يستجيبوا، ولم يؤمن منهم إلا نفر قليل ثم شاء الله عز وجل ، أن يرفع رسوله إليه، فرفعه، وظلت الدعوة محصورة في مجموعة قليلة من المؤمنين، الذين سماهم القرآن الكريم ( الحواريين ) .
وعندما حاول الحواريون نشر دعوتهم بين الناس، واجهوا صدا عنيفا من الحكام، الذين كانوا وقتذاك على دين الشرك، فآثر المؤمنون كتمان إيمانهم في صدورهم، وتركوا دعوتهم للزمن على أمل أن يحسم هـو الموقف.. واستمرت الدعوة على هـذه الحال، تنتقل من جيل إلى جيل متخفية، صامته، حتى فعل الزمان بها ما لم يكن في الحسبان،
[ ص: 161 ] إذ انحرفت الدعوة عن خط التوحيد، وخالطتها الوثنية، ومن هـنا نلاحظ ضرورة توفر شرط إضافي إلى شرط الزمان، حتى يمكن إنضاج عملية التغيير إنضاجا صحيحا من جهة، وحتى يمكن تجنب التأثير السلبي لتطاول الزمن من جهة أخرى، وهذا الشرط هـو التفاعل البناء ما بين عامل الزمن، والعامل البشري، الذي سبق الحديث عنه، بمعنى أن تبقى دعوة التغيير متفاعلة في المجتمع من خلال العصبة المؤمنة، بحيث تعمل هـذه العصبة على إبقاء الدعوة حية نابضة في صميم المجتمع، ولمثل هـذا الهدف جاء التوجيه الرباني الحكيم
( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هـم المفلحون ) (آل عمران: 104) .. فإن وجود هـذه العصبة المؤمنة ضروري لضبط برنامج التغيير، لكي تعطي كل مرحلة من مراحل العمل حقها من الوقت، دون تفريط يضيع الوقت، ويميع القضية، ويحرفها عن مسارها الصحيح، ودون إفراط باختصار الوقت وحرق المراحل واستعجال الثمرات؛ لأن هـذا قد يجهض العملية إجهاضا مبرما.. وإن عمل هـذه العصبة من هـذه الوجهة، يشبه عمل المهندس الحاذق، الذي كلما أنجز مرحلة من مراحل البناء، قام بفحصها وتقويمها، لكي يستيقن أنها قامت وفق المخطط المرسوم، وأنها أنجزت حسب المواصفات والمعايير الفنية المعتبرة، وأنها تتماشى مع البرنامج الزمني المحدد للمشروع