أهمية التاريخ الإسـلامـي وإذا كنا قد ألمحنا إلى أهمية التاريخ بصفة عامة، فأهمية التاريخ الإسلامي -لا شك- تفوق كل أهمية؛ ذلك أن التاريخ الإسلامي في واقع الأمر هـو الإسلام مطبقا منفذا واقعا، فتشويه التاريخ الإسلامي يؤدي بالضرورة إلى تشويه الإسلام، ودع عنك ما يقوله بعض الذين سقطوا أسرى تشويه التاريخ الإسلامي: (من أن هـناك فرقا بين الإسلام والمسلمين، وأن الإسلام يحكم على المسلمين، ولا يحكم المسلمون على الإسلام) فهذا القول -على وجاهته- غاية ما يصل إليه أصحابه أن الإسلام منهاج رباني سماوي ولكنه (مثالي) ينوء البشر بتطبيقه، وتقعد بهم نوازعهم وشهواتهم عن القيام به، والسمو إلى ما يدعو له، ويرمي إليه.
[ ص: 56 ] هذا غاية ما يمكن أن يصلوا إليه، وهو كما ترى خطر ماحق، ولذلك رأينا فعلا وواقعا من يحاج الدعاة إلى تطبيق الإسلام وتحكيمه بهذا التاريخ المشوه، وهم في نفس الوقت يعظمون الإسلام، ويمجدونه، بل يعتقدون أنهم بوقوفهم في وجه الدعاة، ومقاومتهم تحكيم الإسلام، وتطبيق شرائعه يدفعون عن الإسلام ويحمونه من التشويه والتضليل، كتب أحدهم وهو ليس من أصحاب الأقلام المعروفة بمناوأتها للإسلام، بل معروف بعداوته للأقلام المنحلة، والمنحرفة، والملحدة، كتب مقالا طويلا جاء فيه: (على مدى ألف وأربعمائة عام والملوك والخلفاء يدعون أنهم يحكمون بالإسلام، فإذا هـم يجعلون الشريعة وسيلتهم إلى كل ما تعرف أنهم صنعوه بعباد الله الأبرياء المسلمين، وغير المسلمين.
اذكر
هـارون الرشيد وسرفه، اذكر
المأمون ، وفقهاء الإسلام، وما صنع بهم من أجل قضية كلامية؛ أي إسلام تريدون؟ إسلام بني أمية الذين فعلوا... إسلام العباسيين الذين فعلوا... إسلام المماليك الذين فعلوا... إسلام العثمانيين الذين فعلوا... إسلام... أم إسلام... إن
عمر بن الخطاب كان فلتة... ألا ترى أن دين الله الأقوم ينبغي أن يظل صلة بيننا وبين الله بغير قسر ولا إجبار، وإذا كان الله يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم في آيات شريفة كثيرة:
( عليك البلاغ وعلينا الحساب ) (الرعد:40) ، فمن سمح لكم أن تبلغوا، وما أنتم بمبلغين، أو أن تحاسبوا وما أنتم بآلهة؟)
>[1] .
[ ص: 57 ] ولتتأكد أن تشويه التاريخ الإسلامي هـو تشويه للإسلام نفسه، نسوق لك ما قاله الكتاب المصري
سلامة موسى الذي يجعلونه أحد (الشوامخ) وأبطال عصر التنوير، قال بعد أن تحدث عن الاستبداد، وطبيعة البداوة العربية، التي ترضاه وتقبله، وتعيش به، قال: (ومن جهة أخرى، نرى أمما مسلمة كثيرة بعدت عن الروح العربية، ولكن بقي لها استبداد الخلافة.
وقد يقال: إن القرآن لم ينص على الخلافة. وهذا صحيح، ولكن الإنجيل أيضا لم ينص على البابوية، فكما أنه لا يمكن تخلي المسيحية من تبعات البابوية، فكذلك لا يمكن أن يخلى الإسلام من تبعات الخلافة، والحقيقة أن البابوية والخلافة ترجعان إلى التقاليد المأثورة لا إلى الإنجيل ولا إلى القرآن.
وقد انتفع الإسلام من عدم وجود الكهنة في نظامه، ولكن بقاء المسحة الدينية على الخلافة كاد يزيل هـذه الميزة التي للإسلام على المسيحية
>[2] ، هـكذا تبعات الخلافة وفسادها سببه الإسلام، وهو المسئول عنها، والخلافة هـي البديل الإسلامي، للكهنوت والفساد البابوي) أرأيت؟