أهمية الكلمة ودور خطبة الجمعة
والإسلام -دين الإنسان في كل زمان ومكان- لم يغفل دور الكلمة، بل وضعها في إطارها الصحيح، واهتم بها الاهتمام اللائق، فجعلها الوسيلة لهداية الناس، وتربية الأمة، وتوعية المجتمع، وصياغة الإنسان الإيجابي الصالح. وإمعانا منه في توظيف الكلمة، كانت خطبة الجمعة التي تسبق صلاة الجمعة المفروضة كل أسبوع، شعيرة ثابتة، وعبادة يثاب عليها المسلم. وقد ركزت الآثار النبوية على هـذه العبادة، ودعت إلى المواظبة عليها لما فيها من الثواب والفائدة، وشجعت على التهيؤ لها نفسيا وجسديا.
لقد لعبت خطبة الجمعة دورا كبيرا في المسيرة الإسلامية الطويلة، فمن [ ص: 58 ] خلال هـذا المنبر الإسلامي الذي انتشر في ديار الإسلام طرحت مفاهيم العقيدة ، وتعاليم الشريعة ، وسير الأنبياء والصالحين والمجاهدين.. ومن خلال هـذا المنبر الحي المتجدد عولجت المشاكل التي كانت تستجد في كل عصر ومصر، وطرحت الحلول المناسبة.. ومن خلال هـذا المنبر الأسبوعي -الذي لا يتخلف- استطاع الخطباء البارعون الصادقون أن يبعثوا في النفوس روح الجهاد ضد الغزاة والمارقين الذين عانت الأمة منهم عبر تاريخها الكثير.. ومن خلال هـذا المنبر الدعوي المؤثر استقبل المسجد أفواجا من التائبين الذين بدأوا رحلة التزامهم من صلاة الجمعة، فكانت الخطبة دعما وترسيخا لمشاعر الهداية التي استيقظت في أعماقهم التائبة.
واستمرت صلاة الجمعة وخطبتها عبر القرون شعيرة خالدة ومعلما بارزا من معالم المجتمع الإسلامي، حافظ على استمراريته في أسوأ الأيام التي مرت بعالمنا الإسلامي، حتى في هـذا العصر الذي انحسر فيه مد الإسلام وتخلف فيه المسلمون، وغابت منه الخلافة الإسلامية، ظلت خطبة الجمعة منبرا صامدا للإسلام تفيء إليه الجماهير المسلمة من قيظ الفساد والضياع والانحراف الذي يلوث حياتها، وظل صوت الخطباء المسلمين عاليا يصدع كل أسبوع بكلمات الحق، ويذكر المسلمين بأيام الإسلام المجيدة وعزهم المفقود، ويروي للأجيال أخبار من قضوا على دروب الجهاد وحملوا مشاعل الهداية والنور، ويحذر من الأخطار المحدقة بالأمة والتحديات الكبرى التي تنتظرها.
التالي
السابق