نماذج لخطب قليلة الجدوى
فالخطباء المتحمسون يبالغون في حماسهم، وينفعلون عندما لا يطلب الانفعال، ويطيلون عندما لا يستحق موضوعهم الإطالة، ويعتقدون أن الخطابة هـي شحن الجمهور بشحنات الحماس، فيصولون ويجولون في شعور المستمع دون أن يبلغوا عقله، بينما الحقيقة هـي أن الحماس وسيلة وليس غاية ، وأن المشاعر تأتي وتذهب، بينما الأفكار هـي الأبقى ما دامت تجد مكانها في العقل السليم. [ ص: 60 ]
والخطباء الهادئون يبالغون في هـدوئهم، ويلقون خطبتهم وكأنهم يلقون محاضرة أكاديمية على صفوة من المثقفين، فتصل المعاني إلى المستمع جافة باردة، وقد يطيل الخطيب في موضوعه، وقد يخوض في مواضيع بعيدة عن فهم الجمهور، فيدب الملل والضجر في نفوس بعض المصلين، وقد يتسرب النعاس إلى آخرين، فتفقد الخطبة أثرها.
والخطباء التقليديون يلقون عليك خطبا مكررة، ويطرقون مواضيع محددة، ولو غبت عنهم سنوات طويلة، وعدت إليهم لوجدتهم يعزفون على الوتر نفسه، ويستعملون الأمثلة والتشبيهات نفسها التي استعملوها في المرة الأولى، وقد يحدثك هـؤلاء عن أحكام الأضحية، بينما ضحايا المسلمين في مكان تملأ الطرقات، والمحتل الغادر يهدد أرض الإسلام، وبعبارة أخرى فإن هـؤلاء الخطباء يقدمون لك خطبة باردة لا توقظ نائما ولا تهدي تائها، بل هـي كلمات لملء الساحة وإتمام الفراغ. وآخرون يعتلون المنابر ليقرأوا أوراقا كتبت لهم، وليطرحوا أفكارا أمليت عليهم، فتسمع منهم عجبا، وتجدهم كالقارئ يتلو صفحة من كتاب، فكأنهم لا يقفون على منبر الجمعة، وكأنهم لا يخاطبون جمهورا مسلما له عقله وحسه الإسلامي الدقيق.
وآخرون وآخرون وآخرون... بينما الخطباء البارعون الذين يتقنون فن الخطابة ويحسنون توظيفه، ويدركون دوره الخطير في الدعوة، قلة قليلة لا تغطي الملايين الذين يرتادون المساجد باحثين عن المعنى المحرك، والقيمة المؤثرة، والتحليل الذكي، والثقافة الواعية، والفكر السليم.
التالي
السابق