3- الارتجال بلا كفاءة:
إن القدرة على الخطابة ارتجالا دون الرجوع إلى ورقة مكتوبة ليس بالأمر الهين [ ص: 64 ] كما يتصور بعضهم.. إن الارتجال عمل يحتاج إلى موهبة خاصة ومران طويل، وخلفية ثقافية واسعة تسعف صاحبها في الوقت المناسب، وتمده دائما بما يريد قوله وتوضيحه، ومع ذلك فإنه -حتى الخطيب البارع- قد يقع في أزمة أثناء خطبته عندما تخونه الذاكرة فتضن عليه بشاهد أو تعبير دقيق للمعنى الذي يريد أن يوصله إلى الجمهور، لكن بعض خطبائنا يظن أن الأمر أسهل من هـذا، وأن حصيلته الثقافية المتواضعة تكفيه، وأن جرأته الأدبية وقدرته على مواجهة الجمهور تعوضه عن دقيق التعبير وعميق المعنى، فيعتلي المنبر ليقدم لنا خطبة عجيبة يتحدث فيها عن ألف فكرة متنافرة لا تمت لبعضها بصلة، وقد يرتج على هـؤلاء أثناء الخطبة فيقومون باستدعاء ما قالوه في الخطبة ذاتها أو الخطبة التي سبقتها ليكرروه لنا بلهجة مضطربة وربط مشوه. ولهؤلاء الخطباء الأعزاء نقول: إنه لا يغض من مكانة الخطيب أن يمسك بورقة صغيرة يكون قد رتب فيها أفكاره، أو ورقة كبيرة صاغ عليها خطبته ليقدم لنا خطبة مترابطة مؤثرة بدلا من إهدار منبر الجمعة في الارتجال العشوائي دون كفاءة أو ثقافة كافية، فالخطبة أمانة، ومسئولية تحتاج من الخطيب إلى التحضير والتبويب والتنظيم .
التالي
السابق