كلمات الأذان وما وراءها من مدلولات
إن كلمات الأذان التي تردد في جنبات المجتمع المسلم داعية إلى الصلاة، تحمل قيما إعلامية كبيرة، تذكر بها المجتمع المسلم خمس مرات في اليوم والليلة، في مواقيت دقيقة محكمة، وما ذلك إلا لأن المسلم في حاجة ماسة إلى الإلحاح عليه بهذه المبادئ التي تحويها هـذه الكلمات، وما هـي إلا أصول العقيدة التي تشكل تفكيره، وتكون تصوره، وتحدد نظرته وسلوكه.
فماذا في كلمات الأذان !!
الله أكبر ( أربع مرات ) : إنها إعلان عن قيمة كبيرة يجب أن تستحوذ على وجدان المسلم، فلا يخاف إلا الله ولا يرجو سواه سبحانه، فهو أكبر من المال والجاه والسلطان، وكل عرض ينظر إليه الإنسان بحكم بشريته
[ ص: 76 ] بإجلال وإكبار، إن الله أكبر من كل شيء
( عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ) ( الرعد:9) .
أشهد أن لا إله إلا الله ( مرتين ) : إعلان بجوهر العقيدة الذي يحدد مدى العلاقة بين المرء وربه سبحانه، وبينه وبين الناس.. ومضمونها بإيجاز: أن المعبود واحد لا شريك له، والبشر سواء في العبودية له، والإذعان لحكمه، وهكذا يتحرر المسلم بالعبودية الصادقة لله من الذل للبشر، كما تتأكد قيمة المساواة التي جاء بها الإسلام.
وأشهد أن محمدا رسول الله ( مرتين ) : وهنا إعلام بدور الرسالة الخاتمة في التوجيه إلى الدين الحق وتقديم التطبيق السديد له، ومن هـنا كان الإيمان بالرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم لازمة من لوازم الإيمان، بل هـو شطر العقيدة.
حي على الصلاة، حي على الفلاح ( مرتين ) : وفي كل منهما الدعوة المباشرة للحضور لمشاركة المسلمين في أعظم عبادة فرضها الله تعالى-وهي الصلاة- وليتلقوا جميعا جرعة الدواء التي تعينهم على مغالبة ابتلاءات الحياة الدنيا:
( يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين ) ( البقرة: 153) .
الله أكبر -الله أكبر- لا إله إلا الله.. ختام للأذان بما بدئ به من التكبير والتوحيد.
ماذا يكون شأن المجتمع المسلم لو وعى جيدا هـذه العبارات التي تصافح أذنه مع كل صلاة، وعايش مدلولاتها الكبيرة، ومراميها البعيدة، وأهدافها السامية؟
إن أمة تسمع كلمات الأذان بهذه الكثرة، وبهذا الاستمرار الرتيب، لا بد أن تكون قدوة في عقيدتها، أسوة في تفكيرها، تصرع بـ ( أيديولجيتها ) ضلالات الفكر البشري كلها.
ومن هـنا كان للمؤذن مكانة سامية في مجتمع المسلمين، إنهم طلائع
[ ص: 77 ] الإعلاميين فيه.
ولهذا وصفهم رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( بأنهم أطول الناس أعناقا يوم القيامة ) ؛ كما بين صلى الله عليه وسلم أنه:
( لا يسمع المؤذن إنسان ولا جن، ولا شجر، ولا حجر، ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة ) (
البخاري ) .
كما بين أن مهمة الأذان جديرة بالتنافس عليها، والتسابق لها،
( ولو علم الناس ما فيها من فضل ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا ( يعملوا قرعة ) لاستهموا. ) (متفق عليه من حديث
أبي هـريرة ) .
( وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا قال: يا رسول الله، إن المؤذنين يفضلوننا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قل كما يقولون، فإذا انتهيت فسل تعطه ) (
النسائي وأبو داود ) .
هذه هـي مكانة المؤذنيين في الإسلام، تكشف عن مهمتهم الإعلامية بالغة الأهمية مما يلزمهم بنمط متميز في السلوك، ودقة الالتزام، فهم دعاة تمتد إليهم الأنظار، وتلتمس فيهم القدوة.
ومن أحسن قولا ممن يهتف بقيم الإسلام الخالدة صباح مساء ؟!