ثانيا: مصادر الصياغة الإسلامية
لو حاولنا معرفة السمات العامة لعلم الاجتماع الإسلامي، من خلال العرض السابق لأهدافه، لوجدنا أنها تتلخص فيما يلي:
1- أنه موجه قيميا ومذهبيا " أيديولوجيا "
وهذا ينفي صفة الحياد حيال القيم - بالمفهوم الوضعي- عن الباحث المسلم، ويثبت له صفة في مقابل ذلك، وهو أنه ناقد في أبحاثه. مما يعني أن عالم الاجتماع المسلم ملتزم بالإسلام، ويسعى لخدمته، وينقد الواقع على ضوء عقائده وتشريعاته، ولا يتصور من مسلم مخلص في إسلامه، أن يقف من الواقع المنحرف موقف المحايد، فلا بد أن يدرس الهوة الموجودة، بين الواقع، والمثال الذي شرعه الله، أي بين المجتمع، وبين المعتقدات الإسلامية التي يؤمن بها. كما يعني هـذا أيضا، أن يتصدى للقضايا المطروحة " في علم الاجتماع المعاصر، من منطلقات مادية إلحادية، كالقضية القائلة: بأن الدين من صنع المجتمع، أو أنه ظاهرة نشأت بنشأة المجتمعات، دون تحديد ما لمفهوم الدين وطبيعته... كما يتصدى لدحض الاتجاه الماركسي في علم الاجتماع، والذي يحيل الواقع الاجتماعي إلى المادية التاريخية، التي تعتبر علاقات الإنتاج، وظواهر المجتمع، ونظم الحياة، ليست الإنتاج العوامل الاقتصادية المادية وحدها "
>[1] .
[ ص: 128 ] 2- أنه مقارن :
فعلم الاجتماع الإسلامي ينزع إلى عقد المقارنات أثناء التحليل الاجتماعي سواء داخل المجتمع المسلم، أو بينه وبين غيره - المقارنة منهج يتبع الوصف، ويسبق التفسير - وتوضح المقارنة إذا عقدها الباحث المسلم الواعي، أصالة القيم، والمبادئ الإسلامية، فيستطيع الباحث أن يبين أصالة الإسلام من خلال موقفه تجاه الأسرة مثلا، ومكانة المرأة فيها، وما يتبع ذلك من قوامة الرجل، وتربية الأبناء، والحقوق المترتبة على عقد الزوجية، وكذلك نظام تعدد الزوجات والطلاق، وغير ذلك من المواضيع. وتعد الدراسة التي أعدها أنيس أحمد بعنوان: " النساء المسلمات والتعليم العالي " دراسة رائدة في علم الاجتماع الإسلامي، اعتمدت على منهج المقارنة، إضافة إلى غيره من المناهج. ففي سبيل إثبات أفضلية فصل المؤسسات التعليمية العالية الخاصة بالنساء عن الرجال، عقد المؤلف مقارنات شملت أحوال المرأة ودورها في عدة أنحاء من العالم، فبدأ بدراسة نمط اشتراكي، تمثل في المزارع الجماعية في إسرائيل، ثم بدراسة نمط رأسمالي تمثل في موضوع " المرأة في العالم الأكاديمي في الغرب " ، " والمرأة في القوات المسلحة الأمريكية " ، كما درس المرأة في نموذج آخر هـو النموذج الصيني، ثم خلص إلى أفضلية نظرة الإسلام إلى تعليم المرأة. وتعد هـذه الدراسة مقنعة لمن يبحث عن الحقيقة في هـذه القضية، التي تتجاذبها الأهواء
>[2] .
3- أنه يسعى لوضع الخطط العلمية
ويعني هـذا أنه يسعى لتطبيق المعرفة التي توصل إليها، وذلك تمشيا
[ ص: 129 ] مع نظرة الإسلام إلى العلم، حيث إن غاية العلم هـوالعمل، ولا خير في علم بلا عمل.
4- أنه واقعي
بمعنى أنه يناقش ما هـو كائن في الواقع، وذلك تمشيا مع طبيعة علم الاجتماع الذي يناقش واقع المجتمعات البشرية من خلال العلاقات الاجتماعية التي تنشأ بين البشر.
والحقيقة أن هـذه السمات العامة توحي بمصادر الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع. ويمكن أن نلخص هـذه المصادر في ثلاثة أمور هـي: الوحي، وتراث المسلمين، والتراث العالمي. وهذا يتعلق بالمصادر الفكرية والمعرفية أو الفلسفية. أما المادة المبحوثة، فمصدرها الواقع لا غير، بكافة أبعاده.