خـاتمـة
لقد قطع هـذا الكتاب بضرورة فكرة الصياغة الإسلامية لعلم الاجتماع. وأنها من لوازم الرجوع إلى الذات، ومن ضرورات ترسيخ الهوية الإسلامية. فقد اتضح من خلال ما سبق ما يلي:
* إن المنهج المتبع في علم الاجتماع، يغفل جانبا من جوانب الواقع الاجتماعي، مما يعطي صورة ناقصة عن حقيقية هـذا الواقع. فنظرا لاعتماد علم الاجتماع الغربي- والذي يمارس في العالم الإسلامي- على شهادة الحس فقط، فقد غابت عنه نتيجة لذلك، الأمور المعنوية، والغيبية، التي لا تحس، وهي تكمل الحقيقة، ويجب أن لا تند عن الباحث أثناء بحثه.
* اتضح بجلاء أن المعتقدات والخلفيات الثقافية، لا يمكن إسكاتها أثناء البحث، فهي تظهر بوضوح عند التحليل والتفسير، بل حتى عند اختيار ظاهرة معينة للبحث دون غيرها. وهذا يلفت النظر إلى أن النظريات التي تعطي صفة عالمية، لا تصلح للتعميم، وإنما هـي تمثل نظرة منتجها فقط. فبعض النظريات، كالتي تفسر الانحراف مثلا، أو نظريات التنمية، لها خصائص البيئة التي نبتت فيها، ومن ثم فهي لا تصلح للتطبيق في مجتمعات العالم الإسلامي. وهذا أمر يحسه الغالبية من علماء الاجتماع، حتى الذين لا يقرون بمشروعية مثل هـذه الصياغة.
* يجب التنبه إلى أن الدعوة إلى صياغة إسلامية لعلم الاجتماع، لا تعني الدعوة إلى إبراز علم جديد في موضوعه ومنهجه، بل هـي تقر
[ ص: 156 ] بحدود موضوع علم الاجتماع، ومناهجه، كما تقر بأهميته، فيجب أن لا تعمل، ما لا تحتمل فينظر إليها على أنها دعوة جديدة كليا، " فلعلم الاجتماع ميدانه الذي لا ينبغي أن يتجاوزه، وهو واقع المجتمعات البشرية، في حدود كونها عالما مشهودا يمكن ملاحظته، واستخراج خصائصه، وقوانين حركته وتبدله "
>[1] ، وهذه نقطة تحتاج إلى إيضاح، لم يتعرض لها هـذا الكتاب إلا لماما.
* لم يتحدث هـذا الكتاب عن كيفية الصياغة، ومن يقوم بها، والمحاذير التي يجب الحذر منها أثناء القيام بها.
* لم يتحدث هـذا الكتاب عن التراث، الذي كتبه سلف المسلمين، في علم الاجتماع، ولا عن محاولات أرباب المذاهب لتبنيه، وتفسيره لصالحهم، وهو مجال واسع للبحث والدراسة.
* لم يتحدث هـذا الكتاب عن الدراسات الإسلامية المعاصرة، التي كتبت في هـذا المجال، وضرورة تقويمها، ومعرفة غثها من سمينها.
والحمد الله أولا وأخرا [ ص: 157 ]