بيان الواقع في المنكر: شروطه وأحواله
لما كان التغيير، إنما هـو واقع على منكر محقق، يقوم به واحد من الناس، فإن ذلك الواقع في هـذا المنكر لا يشترط لتغييره أن يكون مكلفا ( عاقلا، بالغا ) ، بل كل منكر يقع من أحد، يكون ذلك الفعل منكرا في حقه، أو حق من هـو مثله ممن ليس له فيه رخصة، فإنه يجب تغييره.
المجنون يمنع من إتلاف ماله، أو مال غيره، وكذلك الصبي، وإن كان كلاهما غير مكلف.
والكافر البالغ العاقل، يرجع تغيير منكره الواقع منه، إلى نوع ذلك المنكر ومحله.
إن كان منكره مما ليس منكرا في دينه، ولا يتعلق به حق مسلم، فلا يجب على أحد تغيير هـذا المنكر، لأن كفره هـو نفسه أعلى المنكرات، ولا يجب على أحد أن يمنعه منه، بل ولا يصلح لأحد أن يكرهه على تركه.
وإن كان منكره مما هـو منكر في دينه ـ أيضا ـ وإن تعلق به حق غير مسلم فلا يجب على أحد أن يغيره، إلا إذا تحاكم إلينا، فيحمل على ما يحكم به الإسلام الذي احتكم إليه.
فإن تعلق بحق مسلم، وجب منعه منه، وإنزاله على ما يقضي به الإسلام، حفاظا على حق المسلم، أو حق الأمة والدعوة.
وإن كان صاحب المنكر مسلما مكلفا، فيشترط فيه التيقن أن ذلك الفعل منكر في حقه عند جمهور أهل العلم، فإن كان فيه خلاف، وهو على ما كان مرجوحا، فلا يجب على أحد تغييره، بل ينصح إلى الأعلى بالحكمة. [ ص: 92 ] والمسائل في هـذا الباب كثيرة، مما يستوجب على القائم لتغيير منكر ما، أن يعلم موقعه من باب ما اختلف الأئمة في حكمه.
وقد يكون ما فعل منكرا في نفسه عند جميع العلماء، إلا أنه في حقه خاصة ليس منكرا، لوجود رخصة له، ترفع عنه نكارة هـذا الفعل، كمن أفطر في رمضان لعذر، أو غطى رأسه في الطواف لعذر ... إلخ.
فإن كان فعله ما حرم، لضرورة شرعية، فإنه يسعى إلى رفع الضرورة عنه لا أن يمنع من ذلك المحرم، فإن أزيلت أسباب الضرورة، وبقي على منكره غير عليه بالسبل التي حددها الإسلام .. فكان فقه حال ذي المنكر، من ركائز شخصية المغير، وركنا ركينا من مسئوليته.
التالي
السابق