التغيير الحضاري في ضوء وعي المنهج النبوي
إذا لا بد لنا أن نبحث عن معيار آخر، نعرف في ضوئه التغيير الحضاري، ونحدد مضامينه. ولا يمكن ابتداء أن نعثر على هـذا المعيار إلا في إطار (النظام التوحيدي) أعني في معيار الوحي الإلهي، الذي يشتمل على القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
فتحديد مضمون للتغيير الحضاري، لا بد أن يتم من خلال استقراء لمقاصد ( الوعي التغييري في المنهج النبوي ) ، وفهم عميق على المنهج التغييري الذي سلكه النبي عليه الصلاة والسلام في عملية البناء الاجتماعي الأولي، أي في (عملية الإسلامية الحضارية الشاملة)
>[1] الأولى التي حقق بها مرتبة (الأمة) للجماعة الإسلامية المؤسسة للحضارة التوحيدية.
طبيعة التغيير الإسلامي
إننا كلما تعمقنا في فهم الأشياء، وفق نموذج الإيمان التوحيدي، كلما أحسسنا بضخامة مسئوليتنا أمام الله، ثم أمام أنفسنا، وأمام التاريخ، وأدركنا خطورة واجباتنا أمام الواقع الإنساني المعضل، وخاصة في مراحله الراهنة، وأطواره المتوقعة. فموقفنا الحضاري اليوم مازال غامضا، وبشكل ملح في ميدان قدرتنا على وعي مناهج التعامل مع خطاب الله تبارك وتعالى، وفقه ضرورات استيعابه العملية، أي على المستوى الاجتماعي كمشروع حضاري. وسوف لن يتحقق لنا وعي رسالي اجتماعي، إذا لم ندرك موقفنا الجماعي (كأمة) إزاء
[ ص: 102 ] موضوع وجودنا الحقيقي في هـذا العالم الأرضي. أعني موضوع (الاستخلاف) وتبعاته على صعيد العبودية والعمران. وهذا الأمر لن يتم لنا على الوجه المرغوب، إذا لم نفهم موجبات تحصيل (التغيير الاجتماعي) في واقع أمتنا المتردي. فالتغيير اليوم من متطلبات استمرارية الأمة، ومن شروط استعادتها لهيبتها الحضارية، وتمكينها للناس، كيما يسترجعوا ما فقدوا من فطرتهم الخيرة. والحديث عن التغيير هـنا لا ينسحب إلى ما رسخه العقل الغربي منذ أربعة قرون، القرون التي ولدت فوضى العالم الغربي المنهجية والثقافية الراهنة، ولكن التغيير المنشود هـنا هـو ذلك الجهد الإنساني، الذي يتيح للناس فرصة توفير موجبات (الوراثة الحضارية) ويعينهم على السير السنني في الكون. فهو تغيير عالمي، علمي، عملي، سيتجه بالإنسانية من (العهد الحضاري) إلى (الطور الاستخلافي)
>[2] الذي سيعبر عن الفعالية الكونية للتوحيد من الوجهة الاجتماعية، ويفسر المشروع الحضاري للإسلام من الوجهتين النفسية والثقافية، كما سيعلن عن إفلاس المنطق البشري الخاضع لسلطان المستكبرين، ويخلصه من نزعة:
( أتعبدون ما تنحتون ) ويمده بالقدرة على فهم قيمة
( اقرأ باسم ربك ) إذ بين القراءة باسم ما ينحتون، والقراءة باسم ربك، فرق كالفرق الموجود بين الكفر والإيمان، والباطل والحق.
[ ص: 103 ]