أي مستقبل لثقافتنا في وجه التحديات المعاصرة والمستقبلية؟
المستقبل للإسلام، ليس هو مجرد شعار نتبناه، محوطا بالأمل والرجاء، إنما هو دين، وعقيدة..نؤمن يقينا، ونوقن بجزم، أن المستقبل للإسلام، لأن المسلم بحكم إسلاميته، وتدينه، يؤمن بالمستقبل، وأن لكل مشكلة حلا، ولكل مسألة جوابا، ولكل داء دواء، وقد قرر هذه الحقيقة كتابنا المحفوظ، وسنة نبينا المعصوم.
1- بشـائر قرآنية
فمن آيات النصر وبشائر المستقبل، في القرآن الكريم، وهي بغير حساب:
(أ ) قوله تعالى:
( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون ) (الأنبياء: 105) ، فوراثة الأرض، مستقبل ينتظر الصالحين من عباد الله، الذين التزموا دينه، وأقاموا شرعته.
(ب ) ويتأكد ذلك بظهور الإسلام، وسيادته، وهيمنته على الأديان كلها، مصداق قوله تعالى:
( هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون ) (التوبة: 33) .
[ ص: 59 ] 2- بشائر نبوية
والسنن، جاءت تترى، تثبت هذه الحقيقة، وتقررها، وتنبه عليها:
(أ) روى
مسلم وغيره، عن
ثوبان ،
وشداد بن أوس ، رضي الله عنهم ، مرفوعا:
( إن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها، ومغربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها ) .
>[1] (ب) وروى
ابن حبان في صحيحه:
( ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر، إلا أدخله الله هذا الدين، بعز عزيز، أو بذل ذليل، عزا يعز الله به الإسلام، وذلا يذل به الكفر ) .
>[2] (ج) وأخرج
أحمد ،
والدارمي ،
والحاكم ، وغيرهم،
( عن أبي رضي الله عنه ، قيل: قال: كنا عند عبد الله بن عمرو بن العاص ، وسئل أي المدينتين تفتح أولا: القسطنطينية أو رومية ؟ فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي المدينتين تفتح أولا: القسطنطينية أو رومية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مدينة هرقل تفتح أولا (يعني القسطنطينية) . ) >[3] (د) وفي صحيح مسلم،
( عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى تعود أرض العرب مروجا وأنهارا ) ،
>[4] وقد أثبتت الدراسات العلمية الحديثة، أن أرض العرب، كانت مروجا وأنهارا، وأن دورة ستمر عليها، لتعود مروجا وأنهارا.
3- من إرهاصات المستقبل
إن كثيرا من الإرهاصات، تنبئ بحقيقة أن المستقبل لحضارة الإسلام، منها:
(أ) القيم الروحية، والأخلاقية، والمعنوية، المميزة لحضارتنا.
[ ص: 60 ]
(ب) امتلاك الأمة الإسلامية لمصادر الطاقة والحياة، مع كونها وسطا جغرافيا وتاريخيا، يمثل سكانه خمس سكان العالم، وما يتيحه لها ذلك من إمكانيات.
(ج) اعتماد الأمة الإسلامية، فوق ذلك، على دينها الخاتم، المهيمن على الأديان..الدين القائم على العلم، وسيادة علومه، وحضارته.
(د) إفادة الأمة من حكم الآخرين وتجاربهم، وحضارتهم، مع تفريق بين ما هو مقبول، وما هو مردود، وبين ما هو إسلامي، وما هو جاهلي.
(هـ) وحدة الأمة، وإحياء روابط الأخوة الإيمانية، والقوة التي تنتج عن ذلك، وقد قال تعالى:
( إنما المؤمنون إخوة ) (الحجرات: 10) ..وجعل النبي الكريم، علامة الإيمان، حب المؤمنين بعضهم بعضا، وكان يمثلهم
المهاجرون والأنصار ،
( فقال صلى الله عليه وسلم : آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار ) .
>[5] (و) علاقات العدالة، والإحسان، ورعاية الحرمات، التي هي أوثق للدلالة، من كونها مجرد حقوق للإنسان، تواضع عليها قبيل من الناس.
>[6] فمقام الإحسان في الدين، في كل شيء:
( إن الله يأمر بالعدل والإحسان ) (النحل: 90) .. وفي العبادة كلها يكون الإحسان، كما في حديث
[ ص: 61 ] جبريل عليه السلام ، الذي بين فيه الرسول صلى الله عليه وسلم مقام الإحسان، فقال:
( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) >[7] .. وفي المسند:
( صلي صلاة مودع كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ) ، وحتى في العادات والمعاملات كلها، فإن الإحسان، مأمور به المسلم:
( إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته ) .
>[8] (ز) صحوة الأمة، واستشعارها، ودعوتها إلى ضرورة التوجه الكلي نحو الدين، والالتزام به، والحصول على القوة، التي تحفظ كيان الأمة، والعمل على استقلالية الأمة، في كافة مجالات الحياة، مما يعني بدء زوال ظاهرة القابلية للاستخراب (للاستعمار) ، التي بقيت ردحا من الزمان عند المسلمين.
(ج) أن الأمة بتوحدها، بإيمانها، وجهادها بامتلاك القوة، والتقدم العلمي، تبلغ أوج الحضارة، وتنتصر على قوى التخلف في داخلها، وتواجه قوى الطغيان والاستكبار العالمي، لتنتصر عليها إن شاء الله.
الخـلاصة
إن التحديات الحضارية، هي الخطر الحقيقي، الذي يواجهنا نحن المسلمين اليوم، غير أن هذا الخطر كائنا ما بلغ، قد ردنا إلى الإيمان، وأحيا فينا آمال العودة، حتى ولو كان بعضنا أميا، فيؤتيه الله علما.. والإيمان بالله، هو أصل العلم.
ومهما كان ضعفنا، وتفرقنا، اليوم، فإن الله يعيننا، ويؤلف بيننا، إذا استمسكنا بعروته الوثقى، وعدنا إلى الإيمان العاصم، فنملك بهذا العلم الإيماني، إمكانية أن نهدي العالمين إلى الصراط المستقيم. ثم إننا من أجل إقامة نهضة حضارية، وتفوق ثقافي، وتقدم علمي، لنكون قوة المستقبل، التي تحمي الحق، وتدافع عنه، لا بد من عمل دائب، وجهاد في هذا السبيل، وإقامة للدين، بمعانيه الشاملة والكاملة، من أنه اعتقاد، وعمل، وعبادة، وأخلاق، وآداب، وسلوك، ومعاملات، وقوانين مدنية، وجنائية.. أو شعائر وشرائع، وأسلمة لشؤون الحياة كلها، في الفرد، والمجتمع، والدولة.
[ ص: 62 ]