الإسلام والحرية الفكرية
والإسلام هو دين الحرية الفكرية، الذي تواترت فيه آيات الكتاب، الداعية إلى التفكر والنظر، ولا حجر على أحد في حرية الفكر، والتعبير عن آرائه، إلا إذا صار الأمر افتراء محضا، أو إثارة للفتنة. وما جاء في القرآن الكريم، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم ، من ذكر أقوال المخالفين من غير المسلمين، على اختلاف مللهم، ومناقشة هذه الأقوال بالحجة، والبرهان،
[ ص: 147 ] دليل واضح على هذه الحرية، كما هو دليل على امتداد بقاء غير المسلمين، وسماحة التعامل معهم.. وقد كانت هذه الحقيقة، واضحة في المواقف، التي وقفها كل داعية إلى الإسلام، وسيظل معلما بارزا لكل الأجيال، موقف الصحابي الجليل
ربعي بن عامر ، رضي الله عنه ، حين أجاب على القائد الفارسي رستم: " إن الله ابتعثنا، لنخرج من شاء الله، من عبادة العباد، إلى عبادة الله وحده، ومن ضيق الدنيا إلى سعتها، ومن الأديان إلى عدل الإسلام "
>[1] والواقع التاريخي، يثبت أنه على توالي القرون، في تاريخ الدعوة الإسلامية، لم يحدث أن أكره المسلمون غيرهم على الدين، وهذا ما شهد به كل منصف، ولو كان غير مسلم، مثل (
السير توماس آرنولد ) في كتابه: (الدعوة إلى الإسلام) الذي كتب فيه عن تاريخ نشر الدعوة الإسلامية، في أرجاء العالم، وكيف أن دعاة الإسلام، نشروا دعوتهم بين أقوام، عرفوا بالشدة، والخروج على كل نظام، أو قانون، حتى أسلموا، وصار دعاة يهدون غيرهم)
>[2] ويمضي آرنولد في هذه الشهادة، ليقول: لم نسمع عن آية محاولة مدبرة، لإرغام الطوائف من غير المسلمين على قبول الإسلام، أو عن أي اضطهاد منظم قصد منه استئصال الدين
>[3] ويزيد
آرنولد في بيان تسامح المسلمين فيقول: لا يسعنا إلا الاعتراف، بأن تاريخ الإسلام، في ظل الحكم الإسلامي، يمتاز ببعده بعدا تاما، عن الاضطهاد الديني
>[4] [ ص: 148 ]
وهذه شهادة منصفة أخرى، يؤديها (
ول ديورنت ) ، في كتابه: (قصة الحضارة) ، حيث يقول: لقد كان أهل الذمة، المسيحيون، والزردشتيون،
واليهود ، والصابئون، يتمتعون في عهد الخلافة الأموية، بدرجة من التسامح، لا نجد لها نظيرا في البلاد المسيحية، في هذه الأيام، فلقد كانوا أحرارا في ممارسة شعائر دينهم، واحتفظوا بكنائسهم، ومعابدهم، ولم بفرض عليهم أكثر من أداء ضريبة عن كل شخص، تختلف باختلاف دخله
>[5] وهذه الحرية لغير المسلمين، تشمل التعبير عن معتقداتهم، بالتعليم والممارسة، وأداء شعائر دينهم، فرديا، وجماعيا.