تمهيد
لعله لن يخالفني الكثير، إن قلت : إن مجموعة كبيرة، من أمراض العمل الإسلامي، ترجع إلى اختلال المسألة التربوية فيه، من حيث التصور، أو الممارسة، أو هـما معا.
ذلك أن التربية هـي الإطار الأساس، الذي يتم داخله تشكيل القيادات، والجنود، على حد سواء، فهي صمام الأمان، الذي يضبط المسيرة الدعوية، داخل الصف؛ اصطفاء واستيعابا، ثم ترقية وتزكية،ثم تخريجا وتأهيلا.
وقد لا حظنا، أن كثيرا من الخلافات، وكثيرا من الآفات،وكثيرا من التعثرات الواقعة في العمل الإسلامي، إنما هـي انعكاس طبيعي، لخلافات، وآفات، وتعثرات تربوية خاصة. ومن هـنا،كان قدر كبير من نجاح مسيرة العمل في مختلف جوانبه، مرتبطا بشكل مباشر، أو غير مباشر، بما يحققه من نجاح، في المسألة التربوية، تصورا وممارسة.
ولذلك وجب على مفكري الدعوة الإسلامية ومنظريها، تعميق البحث أكثر في المسألة التربوية، وعدم الاكتفاء بالأساليب التلقائية، والممارسة الارتجالية، في رسم معالم المنهج التربوي الدعوي، وتحديد منطلقاته، وأصوله، وضبط قواعده، ومقاصده، وكيفيات تنزيل مقتضياته العملية. [ ص: 33 ]
وإسهاما منا، في بلورة فكر تربوي أكثر نضجا بمحاولة لدراسة أصول التربية الإسلامية، في اتجاه محاولة رسم معالم المنهاج التربوي النبوي، من خلال القرآن الكريم، والسنة المطهرة، وكذا نصوص السيرة النبوية، ثم حاولنا بعد ذلك استقراء التصورات، والممارسات المندرجة في فقه التربية، عبر أجيال الأمة الإسلامية، استقراء نقديا، مركزين على أعلام الفكر التربوي، وأهم مدارسه، قديما - وحديثا، عسى أن نتبين صورا لإعادة التشكيل التربوي الاجتهادية، الفردية والجماعية، وبعد كل ذلك، تبين لنا أنه رغم كثرة التصورات والمناهج التربوية المقترحة والممارسة، إلا أنها لا تخرج إجمالا عن نوعين أو اتجاهين تربويين:
اتجاه توحيدي، يحاول استلهام المنهاج التربوي، بناء على قواعد الفهم العملية، ومناهج الاستنباط الشرعية من نصوص القرآن والسنة النبوية، ومحاولة اكتشاف السنن، والقواعد التربوية، من خلال السيرة النبوية، قصد ربط الفرد، ربطا مباشرا بالله سبحانه وتعالى ، عبر مفاهيم الوحي.
واتجاه وساطي، يجمع كل التصورات والمذاهب التربوية القائمة، على أساس وجود (الوسيط) التربوي، الذي قد يكون (شيخ ) مدرسة سلوكية صوفية، أو (شيخ) مدرسة فكرية عقلية.
فريد الأنصاري [ ص: 34 ]
التالي
السابق