المبحث الثاني : عمل التابعـين (رحمهم الله)
ومن التابعين، الذين تدل أعمالهم على امتثالهم للتوجيهات القرآنية والنبوية، التي تحض على تبني هـموم الناس، نذكر :
1-
أبو مسلم الخولاني (عبد الله بن ثوب) رحمه الله :
قال عنه
الداراني : (سيد التابعين، وزاهد العصر )
>[1]
يقوم رحمه الله،
لمعاوية بن أبي سفيان ، في المسجد، وكان، قد منع العطاء عن الناس، ليتكلم عنهم، متبنيا بذلك هـمومهم، ومدافعا عنهم، بكل شجاعة، وثبات، فيقول له: يا معاوية، إنه ليس من كدك، ولا كد أبيك، ولا كد أمك، حتى يغضب معاوية، وينزل عن المنبر، ثم يعود، رضي الله عنه ، بعد أن اغتسل، ليضرب أروع أمثلة قبول النصيحة، مهما كانت مرة، فيقول: إن أبا مسلم، كلمني بكلام أغضبني، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
( الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من النار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحدكم فليغتسل) ، وإنما دخلت فاغتسلت، وصدق أبو مسلم: إنه ليس من كدي، ولا كد أبي، فهلموا إلى عطائكم
>[2] [ ص: 71 ]
ويدخل مرة على
معاوية ، فيقوم بين السماطين، فيقول: السلام
عليك، أيها الأجير فقالوا: مه! قال: دعوه، فهو أعرف، بما يقول.. وعليك السلام، يا
أبا مسلم .. ثم وعظه، وحثه على العدل
>[3] توفي -رحمه الله- في زمن
يزيد بن معاوية بن أبي سفيان .
2-
سعيد بن جبير ، رحمه الله:
قال
للحجاج : ترى من نفسك أمورا، تريد بها الهيبة، وهي التي تقحمك في الهلاك، وسترد غدا فتعلم .
قال عنه إبراهيم النخعي
>[4] ، حين علم بوفاته: ( يرحمه الله، ما خلف مثله )
>[5] وقال عنه
ميمون بن مهران >[6] : (لقد مات سعيد بن جبير، وما على الأرض، من رجل، إلا يحتاج لسعيد )
>[7] يخرج رضي الله عنه ، على أهل الجور، ويقف في الناس، يوم دير الجماجم ، وهم يقاتلون، وهو يقول لهم: (قاتلوهم على جورهم في الحكم، وخروجهم من الدين، وتجبرهم على عباد الله، وإماتتهم الصلاة، واستذلالهم المسلمين )
>[8] وحين لقي
الحجاج ، بعد أن اعتقله جنده، قال له الحجاج: (... فما تقول في ؟ قال: أنت أعلم بنفسك. قال: بث بعلمك. قال: إذن
[ ص: 72 ] نسوءك، ولا نسرك. قال: بث بعلمك. قال: أعفني. قال: لا عفا الله عني، إن أعفيتك. قال: إني لأعلم أنك مخالف لكتاب الله، ترى من نفسك أمورا ، تريد بها الهيبة، وهي التي تقحمك في الهلاك... وسترد غدا فتعـلم. قـال: أما والله، لأقتلـنك قتلة، لم أقـتلها أحـدا قبلك، ولا أقتلها أحدا بعدك )
>[9] فقتله...
وقد استشهد -رحمه الله- سنة أربع وتسعين للهجرة (94هـ) .
3- مالك بن دينار رحمه الله:
( كفى بالمرء خيانة، أن يكون أمينا للخونة ) .
كان رحمه الله، من أعبد أهل عصره، يجيئة مرة رجل، قد حبس العشار -قابض العشر- سفينته، فيذكر له ذلك، فقام مالك، فمشى إلى العشار، فلما رأوه، قالوا: يا أبا يحيى! ألا تبعث لنا حاجتك ا! قال: حاجتي، أن تخلوا سفينة هـذا الرجل، قالوا: قد فعلنا، قال: وكان عندهم كوز، يجعلون فيه، ما يأخذونه من الناس، من الدراهم، فقالوا: ادع لنا يا أبا يحيى.. قال: قولوا للكوز، يدعو لكم، كيف أدعو لكم، وألف يدعون عليكم ا أترى يستجاب لواحد، ولا يستجاب لألف ؟
>[10] .
وكان رحمه الله يقول: (كفى بالمرء خيانة، أن يكون أمينا للخونة )
>[11] مات -رحمه الله- سنة 130هـ .
[ ص: 73 ]