8- الرجل
مفتاح شخصية عمرو، أنه كان يستعرض جوانب (القوة) دائما، ويوازن بين ما لدى أعدائه وأصحابه على حد سواء من (القدرة) موازنة طويلة، حتى لا يخفى عليه منها وجه من وجوه الرأي، فقد كان رجلا يتقن الحساب، ويجيد المساومة ... يقف ساكنا، ويفكر طويلا، ثم يساوم في حرص.
إنه يشترط دائما... هـكذا كان موقفه في كل أمر!!
[ ص: 174 ]
وكان متواضعا، يعرف الحق لأهله، فقد دخل
عمرو مكة المكرمة ، فرأى قوما من
قريش ، قد تحلقوا حلقة، فلما رأوه، رموا بأبصارهم إليه، فعدل إليهم، وقال: (أحسبكم كنتم في شيء من ذكري) ، قالوا: أجل! كنا نماثل بينك وبين أخيك
هـشام >[1] ، أيكما أفضل، فقال عمرو: (إن لهشام علي أربعة: أمه ابنة
هـشام بن المغيرة ، وأمي من قد عرفتم، وكان أحب الناس إلى أبيه مني، وقد عرفتم معرفة الوالد بالولد، وأسلم قبلي، واستشهد وبقيت)
>[2] .
وقالوا لعمرو: أنت خير، أم أخوك هـشام بن العاص ؟، قال: (أخبركم عني وعنه، عرضنا أنفسنا على الله، فقبله، وتركني
>[3] . وقد استشهد هـشام في أجنادين
>[4] .
وكان يعتز بنفسه وبكرامته، فقد كتب
عمر بن الخطاب ، وهو على
مصر ، يسأله فيه عن أصل المال الذي جمعه، فغضب عمرو، وكان مما أجاب به: (... " والله لو كانت خيانتك حلالا ما خنتك، وقد ائتمنتني، فإن لنا أحسابا، إذا رجعنا إليها أغنتنا عن خيانتك " )
>[5] .
[ ص: 175 ]
أما مع
معاوية بن أبي سفيان ، فكان يرى نفسه لمعاوية ندا، فقد قال
عمرو يوما لمعاوية: (والله، ما أدري يا أمير المؤمنين، أشجاع أنت أم جبان ؟) فقال معاوية:
شجاع إذا ما أمكـنـتـني فـرصـة وإن لم تكـن لي فرصـة فجبـان >[6] .
واجتمع عمرو مع معاوية مرة فقال له معاوية: (من الناس؟) فقال: (أنا وأنت
والمغيرة بن شعبة وزياد ) ، فقال معاوية: (كيف ذلك؟) ، قال عمرو: (أما أنت فللتأني، وأما أنا فللبديهة، وأما المغيرة فللمعضلات، وأما زياد فللصغير والكبير) . قال معاوية: (أما ذانك، فقد غابا، فهات بديهتك يا عمرو!) قال: (وتريد ذلك؟) قال: (نعم) ، قال: (فأخرج من عندك) ، فأخرجهم معاوية! فقال عمـرو: (يا أمير المؤمنين! أسارك!) فأدنى معاوية رأسه منه، فقال عمرو: (هذا من ذاك! من معنا في البيت حتى أسارك!!)
>[7] .
وكان إداريا عادلا، تحبب إلى سكان البلاد، ورد إليهم حقوقهم الـمغتصبة، وقطع دابر ما كان يثير تذمرهم، وأبقى أرضهم على حالها، لم يقسمها بين الفاتحين من المسلمين
>[8] . وحرص على رفاهية السكان،
[ ص: 176 ] وعدم إرهاقهم بالضرائب، فقد جبى خراج
مصر وجزيتها ألفي ألف، وجباها خلفه
عبد الله بن سعد بن أبي سرح أربعة آلف ألف، فقال
عثمان لعمرو : (إن اللقاح بمصر بعدك درت ألبانها) ، فقال عمرو: (ذاك لأنكم أعجفتم أولادها)
>[9] ، فأصبح أهل مصر في أيامه آمنين، على أموالهم، ودمائهم، ونسائهم، وأولادهم، لا يباع منهم أحد، وفرض عليهم خراجا لا يزاد عليهم، على أن يدفع عنهم خوف عدوهم
>[10] ، ونفذ فيهم
( وصية النبي صلى الله عليه وسلم إذا فتحتم مصر فاستوصوا بالقبط خيرا، فإن لهم ذمة ورحما ) >[11] .
وكان عمرو ربعة، قصير القامة، وافر الهامة، أدعج، أبلج
>[12] ، يخضب بالسواد
>[13] ، ويهتم بملبسه، ومسكنه، ومأكله
>[14] وأخو عمرو هـو
هـشام ، الذي استشهد يوم أجنادين ، وكان صحابيا، ولا عقب له، وأمه:
أم حرملة بنت هـشام بن المغيرة المخزومي ، وكان هـشام قديم الإسلام، هـاجر إلى
الحبشة في المرة الثانية، ثم قدم
مكة للهجرة إلى
المدينة ، فحبسه أبوه، فلم يزل محبوسا بمكة،
[ ص: 177 ] حتى مات أبوه في آخر السنة الأولى من الهجرة ، ثم حبسه قومه بعد أبيه، فلم يزل يحتال، حتى تخلص وقدم على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الخندق ، وجاهد حتى قتل
بالشام ، وكان أصغر سنا من أخيه
عمرو ، وكان يكنى أبا العاص، فكناه رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبا مطيع
>[15] .
وإخوة عمرو لأمه:
عروة بن أبي أثاثة العدوي >[16] ،
وأرنب بنت عفيف بن العاص >[17] ،
وعقبة بن نافع بن عبد القيس بن لقيط ، من
بني الحارث بن فهر القرشي >[18] .
ولد
عمرو بن العاص :
عبد الله بن عمرو ، صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وروى عنه الحديث،
( وكان يصوم الدهر، ويقوم الليل، فبلـغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له: صم وأفطر، وصل ونم ) . وأمه:
ريطة بنت منبه بن الحجاج بن عامر >[19] ، وعبد الله من فضلاء الصحابة، وله
بالوهط >[20] ،
ومكة عقب كثير، يناهزون المائة
>[21] .
[ ص: 178 ]
وولد
عمرو أيضا:
محمد بن عمرو بن العاص ، لا عقب له، وأمه من
بلي >[22] .
وتزوج عمرو:
أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ، وكانت من المهاجرات، فتزوجها
الزبيـر بن العـوام ، فطلقها، فتزوجهـا بعـده
عبد الرحمن بن عوف ، فلما مات عنها، تزوجها عمرو بن العاص
وتزوج
عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل بن عبد العزى ، التي تزوجها بعد
عبيدة بن الحارث بن المطلب ، ثم
عبد الله بن أبي بكر ، ثم
عمر بن الخطاب ، ثم
محمد بن أبي بكر ، فقتل عنها
بمصر ، فتزوجها عمرو بن العاص
>[23] .
وكانت
ريطة أم
عبد الله بن عمرو بن العاص زوجته أيضا كما ذكرنا.
وكان
أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب نديما لعمرو بن العاص في الجاهلية
>[24] ، مما يدل على أنه كان من الشخصيات البارزة قبل الإسلام.
وأخيرا داهم الموت هـذا الداهية، بعد أن ملأ صفحات التاريخ بأعماله المجيدة، وترك آثارا باقية على الدهر، وبخاصة في الفتوح.
[ ص: 179 ]
فقد مرض مرض موته، سنة ثلاث وأربعين الهجرية، فاشتد عليه المرض
>[25] ، وكان من النادر أن يزوره المرض، لاهتمامه الشديد بصحته وعافيته، وعنايته الكبيرة بهما، فهو مثلا، لا يغتسل من الجنابة، إذا خشي الضرر من البرد بل يصلي متيمما، كما فعل وهو قائد غزوة ذات السلاسل
>[26] ، ولا يخرج إلى صلاة الجماعة، وهو أمير، إذا كان متوعكا، بل يؤم الناس وكيله، كما فعل في صلاة الصبح من يوم محاولة اغتياله
>[27] .
ولا نص في المصادر المعتمدة عن سبب مرضه الأخير، ويبدو أنه مرض الشيخوخة، إذ كان قد بلغ من الكبر عتيا.
وقد قيل
لعمرو في مرضه: (كيف تجدك ؟) قال: (أجـدني أذوب ولا أثوب، وأجد نجوي أكثر من رزئي
>[28] ، فما بقاء الشيخ على هـذا)
>[29] .
ولما حضرت عمرو الوفاة، دمعت عيناه، فقال
عبد الله بن عمرو : (يا أبا عبد الله! أجزع من الموت، يحملك على هـذا ؟) فقـال: (لا! ولكن مما بعد الموت)
>[30] .
[ ص: 180 ]
ودخل
عبد الله بن العباس ، على
عمرو وهو مريض، فقال: (كيف أصبحت ؟) قال: (أصبحت وقد أصلحت من دنياي قليلا، وأفسدت من ديني كثيرا، فلو كان ما أصلحت هـو ما أفسدت لفزت، ولو كان ينفعني أن أطلب طلبت، ولو كان ينجيني أن أهرب لهربت، فعظني بموعظة، أنتفع بها، يا ابن أخي!) فقال: (هيهات يا أبا عبد الله!) فقال: (اللهم إن ابن عباس يقنطني من رحمتك، فخذ مني حتى ترضى)
>[31] .
" وكان عمرو يقول: (عجبا لمن نزل به المـوت، وعقـله معـه، كيف لا يصفه) فلما نزل به، قال له ابنه
عبد الله : (يا أبت إنك كنت تقول: عجبا لمن نزل به الموت، وعقله معه، كيف لا يصفه؟ فصف لنا الموت، وعقلك معك) ، فقال: (يا بني! الموت أجل من أن يوصف، ولكني سأصف لك منه شيئا: أجدني كأن على عنقي جبال رضوى، وأجدني كأن في جوفي شوك السلاء، وأجدني كأن نفسي يخرج من ثقب إبرة "
>[32] .
" ولما كان عمرو عند الموت، دعا حرسه فقال: (أي صاحب كنت لكم؟) قالوا: كنت لنا صاحب صدق، تكرمنا، وتعطينا، وتفعل وتفعل، قال: (فإني إنما كنت أفعل ذلك لتمنعوني من الموت، وإن الموت هـا هـو ذا، قد نزل بي، فأغنوه عني) ، فنظر القوم بعضهم إلى
[ ص: 181 ] بعض، فقالوا: والله! ما كنا نحسبك تكلم بالعوراء يا
أبا عبد الله ، قد علمت أنا لا نغني عنك من الموت شيئا، فقال: (أما والله! لقد قلتها، وإني لأعلم أنكم لا تغنون عني من الموت شيئا، ولكن والله لأن أكون لم أتخذ منكم رجلا قط يمنعني من الموت، أحب إلي من كذا وكذا) ... ثم قال: (اللهم لا بريء فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر، وإلا تدركني برحمة أكن من الهالكين "
>[33] .
ولما احتضر جمع بنيه، " فقال: (يا بني! ما تغنون عني من أمر الله شيئا؟) قالوا: يا أبانا، إنه الموت، ولو كان غيره لوقيناك بأنفسنا، فقال: (أسندوني) ، فأسندوه، ثم قال: (اللهم إنك أمرتني فلم أأتمر، وزجرتني فلم أزدجر، اللهم لا قوي فأنتصر، ولا بريء فأعتـذر، ولا مستكبر بل مستغفر، أستغفرك وأتوب إليك، لا إله إلا أنت إني كنت من الظالمين "
>[34] .
وذكر
عبد الله بن عمرو ، أن أباه أوصاه، قال: " يا بني! إذا مت فاغسلني غسلة بالماء، ثم جففني في ثوب، ثم اغسلني الثانية بماء قراح، ثم جففني في ثوب، ثم اغسلني الثالثة بماء فيه شيء من كافور، ثم جففني في ثوب، ثم إذا ألبستني الثياب، فأزر علي فإني مخاصم، ثم إذا أنت حملتني على السرير، فامش بي مشيا بين المشيتين، وكن
[ ص: 182 ] خلف الجنازة، فإن مقدمها للملائكة، وخلفها لبني آدم، فإذا أنت وضعتني في القبر، فسن علي التراب سنا) ، ثم قال: (اللهم أمرتنا فركبنا، ونهيتنا فأضعنا، فلا بريء فأعتذر، ولا عزيز فأنتصر، ولكـن لا إله إلا الله) ، وما زال يقولها حتى مات "
>[35] .
وذرفت عيناه، فبكى، فقال له ابنه
عبد الله : (يا أبت! ما كنت أخشى أن ينزل بك أمر من أمر الله، إلا صبرت عليه) ، فقال: (يا بني! إنه نزل بأبيك خلال ثلاث: أما أولاهن: فانقطاع عمله، وأما الثانية: فهول المطلع، وأما الثالثة: ففراق الأحبة، وهي أيسرهن. اللهم أمرت فتوانيت، ونهيت فعصيت، اللهم فمن شيمك العفو والتجاوز)
>[36] .
وذكـر شهود عيـان، شهدوا احتضـار عمـرو، فـذكـر أحـدهم
>[37] ما رأى، فقال: (حضرنا
عمرو بن العاص ، وهو في سياقة الموت، فحول وجهه إلى الحائط، يبكي طويلا، وابنه يقول له: ما يبكيك؟ أما بشرك رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا، أما بشرك بكذا، وهو في ذلك يبكي، ووجهه إلى الحائط، ثم أقبل بوجهه إلينا فقال: (إن أفضل مما تعد علي شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولكنني كنت على أطباق ثلاث: قد رأيتني ما من الناس من أحد أبغض إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ،
[ ص: 183 ] ولا أحب إلي من أن أستمكن منه، فأقتله، ولو مت على تلك الطبقة، لكنت من أهل النار، ثم جعل الله الإسلام في قلبي،
( فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبايعه، فقلت: ابسط يمينك أبايعك يا رسول الله! فبسط يده، ثم إني قبضت يدي، فقال: مالك يا عمرو؟ فقلت: أردت أن أشترط، فقال: تشترط ماذا؟ فقلت: أشترط أن يغفر لي، فقال: أما علمت يا عمرو، أن الإسلام يهدم ما كان قبله، وأن الهجرة تهدم ما كان قبلها، وأن الحج يهدم ما كان قبله؟ ) فقد رأيتنـي، ما من الناس أحد أحب إلي من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا أجل في عيني منه، ولو سئلت أن أنعته، ما أطقت، لأني لم أكن أطيق أن أملأ عيني إجلالا له، فلو مت على تلك الطبقة، رجوت أن أكون من أهل الجنة. ثم ولينا أشياء بعد، فلست أدري ما أنا فيها، أو ما حالي فيها، فإذا أنا مت، فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني فسنوا علي التراب سنا، فإذا فرغتم من قبري، فامكثوا عند قبري قدر ما ينحر جزور، ويقسم لحمها، فإني أستأنس بكم، حتى أعلم ماذا أراجع به رسل ربي)
>[38] .
" وقال عمرو: (فوالله إني إن كنت لأشد الناس حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ما ملأت عيني منه، ولا راجعته بما أريد، حتى لحق بالله، حياء منه "
>[39] .
[ ص: 184 ]
وعن
عبد الله بن عمرو ، أن أباه قال: (اللهم أمرت بأمور، ونهيت عن أمور، فتركنا كثيرا مما أمرت به، ووقعنا في كثير مما نهيت، اللهم لا إله إلا أنت) ، ثم أخذ بإبهامه، فلم يزل يهلل حتى توفي
>[40] .
وكانت وفاة
عمرو ليلة عيد الفطر، سنة ثلاث وأربعين الهجرية
>[41] (664م) في خلافة
معاوية بن أبي سفيان ، وقيل: توفي سنة ثنتين وأربعين الهجرية، وقيل: أربع وأربعين الهجرية، وقيل: إحدى وخمسين الهجرية
>[42] ، والأول أصح
>[43] ، لإجماع المصادر المعتمدة عليه دون استثناء.
ودفن عمرو
بجبل (المقطم )
>[44] من ناحية (
الفج )
>[45] ، وكان طريق الناس يومئذ إلى
الحجاز >[46] ، وقد غسله ابنه عبد الله بن عمرو، ثم أخرجه حين صلى الصبح، فوضعه بالمصلى في
جامع عمرو ، ثم جلس.
[ ص: 185 ] حتى إذا رأى الناس قد انقطعوا من الطرق: الرجال والنساء، قام فصلى عليه، ولم يبق أحد شهد العيد إلا صلى عليه، ثم صلى العيد بالناس، وكان أبوه استخلفه على صلاة
مصر وخراجها
>[47] .
وقبل أن يصلي
عبد الله بن عمـرو على أبيـه
عمـرو ، قـال: (والله! ما أحب أن لي بأبي، أبا رجل من العرب، وما أحب أن الله يعلم أن عيني دمعت عليه جزعا، وأن لي حمر النعم) ، ثم كبر
>[48] للصلاة على الميت.
وليس من شك، أن عمرا، كان يتمتع بمزايا متميزة، تجعله في صفوف البارزين في تاريخ الشعوب، والباقين في أقوالهم وأعمالهم من ذوي المواهب الفذة والعقول الراجحة.
وقد أنصف عمرو نفسه، حين قسم حياته إلى ثلاثة أدوار: دور الجاهلية، ودور الإسلام، على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، والشيخين
أبي بكر الصديق ،
وعمر بن الخطاب ، والصدر الأول من عهد
عثمان بن عفان . ودور الإسلام بعد عزله عن مصر، في أيام عثمان حتى توفاه الله.
وأرى أن شعور عمرو بالحزن، والأسى، والندم، وتأنيب الضمير، على ما فرط في جنب الله، دليل عميق، على إيمانه الراسخ العميق، إذ لو لم يكن مؤمنا حقا، لما أنب نفسه جهرا أمام الناس قبل أن يؤنبه غيره، لذلك
( قال النبي الكريم عليه الصلاة والسلام في عمرو: أسلم الناس، وآمن عمرو بن العاص ) >[49] ،
( وقال: عمرو بن العاص من صالحي قريش ) >[50] ،
[ ص: 186 ] ( وقال: نعم أهل البيت، عبد الله ، وأبو عبد الله ، وأم عبد الله ) >[51] ،
( وقال عليه الصلاة والسلام ، فيه وفي أخيه هـشام : ابنا العاص مؤمنان ) >[52] ، وفضائله ومناقبه كثيرة جدا
>[53] .
وحدث ابنا العاص: هـشام وعمرو، قالا:
( ما جلسنا مجلسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كنا به أشد اغتباطا من مجلس جلسناه يوما، جئنا فإذا أناس عند حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يتراجعون في القرآن، فلما رأيناهم اعتزلناهم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم خلف الحجر يسمع كلامهم، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مغضبا، يعرف الغضب في وجهه، حتى وقف عليهم فقال: أي قوم! بهذا ضلت الأمم قبلكم، باختلافهم على أنبيائهم، وضربهم الكتاب بعضه ببعض، إن القرآن لم ينزل لتضربوا بعضه ببعض، ولكن يصدق بعضه بعضا، فما عرفتم منه فاعملوا به، وما تشابه عليكم فآمنوا به، ثم التفت إلي وإلى أخي، فغبطنا أنفسنا، أن لا يكون رآنا معهم ) >[54] .
وليس أدل على إيمانه من
( قوله على منبره: لقد أصبحتم وأمسيتم، ترغبون فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيها، والله ما أتت على رسول الله صلى الله عليه وسلم من دهره، إلا كان الذي عليه، أكثر مما له ) >[55] .
[ ص: 187 ] " ويقول: (والله إن كنت لأشد الناس حياء من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما ملأت عيني من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا راجعته بما أريد، حتى لحق بالله عز وجل ، حياء منه "
>[56] .
فهل يمكن أن تصدر مثل هـذه الأقوال، أو يشعر بهذا الشعور، إلا مؤمن قوي الإيمان؟)
وقد عاش
عمرو بعد
عمر بن الخطاب عشرين سنة، لأن عمر توفي سنة ثلاث وعشرين الهجرية
>[57] ، وتوفي عمرو سنة ثلاث وأربعين الهجرية، كما ذكرنا، وكان عمر عمر بن الخطاب ثلاثا وستين سنة على الأصح
>[58] ، وكان عمرو يقول: (أذكر يوم ولد عمر بن الخطاب
>[59] ، فكان عمره لما ولد عمر بن الخطاب سبع سنين، فعاش تسعين سنة
>[60] ، أي أنه ولد سنة سبع وأربعين قبل الهجرة (577م) ، ومات سنة ثلاث وأربعين الهجرية
>[61] . (664م) ، فعاش تسعين سنة قمرية
>[62] ، وسبعا وثمانين سنة شمسية.
وبموته، انتهت حياة قائد، من أعظم قادة الفتح الإسلامي، وإداري من ألمع إداري البلاد الإسلامية، وداهية من أبرز دهاة العرب والمسلمين.
[ ص: 188 ]