الأصل الحادي عشر
صحة الصلاة خلف المبتدع إذا لم يمكن الصلاة خلف المتبع، وإذا أمكن ذلك فالمسألة محل خلاف بين أهل العلم
فصل شيخ الإسلام في هـذه المسألة على ما يلي:
1 - (يجوز للرجل أن يصلي الصلوات الخمس والجمعة وغير ذلك، خلف من لم يعلم منه بدعة ولا فسقا، باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم
>[1] من أئمة المسلمين، وليس من شرط الائتمام أن يعلم المأموم اعتقاد إمامه، ولا أن يمتحنه، فيقول: ماذا تعتقد؟ بل يصلي خلف مستور الحال)
>[2] .
2 - (لو علم المأموم أن الإمام مبتدع يدعو إلى بدعته، أو ظاهر الفسق، وهو الإمام الراتب الذي لا تمكن الصلاة إلا خلفه، كإمام الجمعة والعيدين، والإمام في صلاة الحج بعرفة، ونحو ذلك، فإن المأموم يصلي خلفه عند عامة السلف والخلف، وهو مذهب
أحمد والشافعي وأبي حنيفة >[3] وغيرهم)
>[4] ؛ لأن (الصلاة في جماعة خير من صلاة
[ ص: 142 ] الرجـل وحـده، وإن كـان الإمـام فاسقا... والصحيـح أن يصليهـا ولا يعيدها، فإن الصحابة رضي الله عنهم ، كانوا يصلون الجمعة والجماعة خلف الأئمة الفجار ولا يعيدون، كما كان
ابن عمر يصلي خلـف
الحجـاج >[5] ،
وابن مسعـود وغيـره يصـلـون خلف
الوليـد ابن عقبة >[6] ، وكان يشرب الخمر، حتى إنه صلى بهم مرة الصبح أربعا، ثم قال: أزيدكم؟ فقال
ابن مسعود : مازلنا معك منذ اليوم في زيادة، ولهذا رفعوه إلى
عثمان >[7] ، وفي صحيح البخاري " أن
عثمان رضي الله عنه ، لما حصر صلى بالناس شخص، فسأل سائل عثمان، فقال: إنك إمام عامة، وهذا الذي يصلي بالناس إمام فتنة، فقال: يا ابن أخي، إن الصلاة من أحسن ما يعمل الناس، فإذا أحسنوا فأحسن معهم، وإذا أساءوا فاجتنب إساءتهم. "
>[8] )
>[9] .
ومن كره الصلاة خلف الإمام الراتب المبتدع، فإنما كره لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب، والأصل أن من أظهر بدعة أو فجورا لا يرتب إماما للمسلمين، وترك الصلاة خلفه يكون مشروعا إذا
[ ص: 143 ] حقق مصلحة، مثل أن يؤثر هـذا في توبته أو عزله، أو انتهاء الناس عن مثل ذنبه، ولم يفت المأموم التارك جمعة ولا جماعة، فمن فوت ذلك من أجل البدعة، كان مبتدعا مخالفا للصحابة
>[10] رضي الله عنهما
3 - (تنازع العلماء في الإمام إذا كان فاسقا أو مبتدعا، وأمكن أن يصلى خلف عدل، فقيل: تصح الصلاة خلفه وإن كان فاسقا، وهذا مذهب
الشافعي ،
وأحمد في إحدى الروايتين،
وأبي حنيفة >[11] ، وقيل لا تصح خلف الفاسق إذا أمكن الصلاة خلف العدل، وهو إحدى الروايتين عن
مالك وأحمد
>[12] )
>[13] .
وقد بين شيخ الإسلام
ابن تيمية أن هـذا التفصيل (إنما هـو في البدعة التي يعلم أنها تخالف الكتاب والسنة، مثل بدع
الرافضة والجهمية ونحوهم، فأما مسائل الدين التي يتنازع فيها كثير من الناس، مثل مسألة الحرف والصوت -في صفة الكلام- ونحوها، فقد يكون كل من المتنازعين مبتدعا، وكلاهما جاهل متأول، فليس امتناع هـذا من الصلاة خلف هـذا بأولى من العكس، فأما إذا ظهرت السنة وعلمت، فخالفها واحد، فهذا هـو الذي فيه النزاع)
>[14] .
[ ص: 144 ]