تقديم بقلم: عمر عبيد حسنة
الحمد لله خالق الإنسان، معلم البيان، كرم الإنسان، وشرفه بتعليم آدم الأسماء كلها، ليكون أهلا لحمل أمانة التعليم والتبليغ، وأداء الرسالة، فجعل أشرف العمل وأحسن القول، القيام بمهمة البلاغ المبين، ودعوة الناس إلى الحق، وهدايتهم إلى الصراط المستقيم، وممارسة العمل الصالح، والانسلاك بالقافلة المؤمنة، وصبر النفس مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه،
قال تعالى:
( ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ) ( فصلت:33) ..
كما جعل أفضل المكاسب وأعظمها وخيرها، والفوز الحقيقي، يكمن في تحقيق الهداية للناس واستنقاذهم من الضلال وإلحاق الرحمة بهم،
قال تعالى:
( وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) ( الأنبياء:107) ،
( وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ) ( متفق عليه) ، وفي رواية:
( من الدنيا وما عليها ) .
بل لقد جعل الله القيام بمهمة البلاغ لرسالة النبوة وحسن أدائها، السبيل الوحيد للنجاة في الآخرة، والعصمة الحقيقية من فتنة الناس في الدنيا،
فقال تعالى:
( قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا *
إلا بلاغا من الله ورسالاته ) (الجن:22-23) .
[ ص: 9 ]
وقال:
( يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس ) (المائدة: 67) .
والصلاة والسلام على الرسول القدوة، الذي كانت غاية مهمته وأبعاد رسالته، تتمحور حول قضية البلاغ المبين،
قال تعالى
( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) (النور: 54) ..
الذي أوتي جوامع الكلم، وكان في الذروة من قومه فصاحة وبلاغة وحكمة:
( ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا ) ( البقرة:269) .
وبعد:
فهذا كتاب الأمة السادس والخمسون: ( مرتكزات الخطاب الدعوي في التبليغ والتطبيق) ، للأستاذ عبد الله الزبير عبد الرحمن ، في سلسلة " كتاب الأمة " ، التي يصدرها مركز البحوث والدراسات بوزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في دولة
قطر ، مساهمة في إعادة التشكيل الثقافي وتحقيق الوعي الحضاري، وترشيد العقل بهدايات الوحي، وإحياء وعي المسلم برسالته الإنسانية، ودوره في إلحاق الرحمة بالعالمين، ووظيفته في الشهادة على الناس والقيادة لهم إلى الخير، واسترداد خيرية الأمة التي كادت تنحسر، لقعوده عن مهمة البلاغ، وحسبة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، التي تعتبر من مستلزمات الإيمان بالله، فيتحقق في الواقع إحداث التفاعل بين الإنسان والإسلام، وإخراج أمة جديدة، ويستأنف تجديد أمر الدين وقيادة البشرية في دورة حضارية موعودة.
[ ص: 10 ]
وتجديد أمر الدين، وإحداث التفاعل بين الإنسان والإسلام، وقيام العمران وقيادة الحضارة، لا يتحقق بالأمنيات والرغبات، وزيادة الحماس، وتعاظم التوثب الروحي،
قال تعالى:
( ليس بأمانيكم ولا أماني أهل الكتاب من يعمل سوءا يجز به ) (النساء: 123) ،
وإنما يتحقق بحسن فقه الكتاب والسنة، والعودة بالتدين إلى التلقي عن الينابيع الأصلية، والتمييز بين قيم الدين، ومسالك التدين، بين قول الشارح وفهمه، ونص الشارع وحكمه، بحيث يبقى - باستمرارـ نص الشارع هـو المعيار والحكم على فهم الناس.. أما فهم الشارح فهو التنزيل المحكوم عليه باحتمال الخطأ والصواب، حتى لا تتحول فهوم الناس لنصوص الدين - ولو أثبتت صوابها في عصر - إلى معايير وأحكام تحل محل قيم الدين في الكتاب والسنة، ذلك أن صوابية الفهم والتنزيل على عصر، بواقعه ومشكلاته، لا تعني بالضرورة الصوابية في التنزيل والتطبيق لكل العصور.
وقد تكون المشكلة، كل المشكلة، في اعتماد فهم الشارح وادعاء العصمة له في صور التدين أو في علل التدين، التي كثير ما حذر الله سبحانه وتعالى الأمة المسلمة - وريثة الكتاب والقيادة الدينية - منها، حتى لا تقع بما وقع به أصحاب الأديان السابقة، لأنها لو التزمت معايير الكتاب والسنة دائما تبقى في مأمن من تحريف قيم ونصوص القرآن والبيان، الذين تعهد الله سبحانه وتعالى بحفظهما من التحريف والتبديل،
فقال:
( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (الحجر: 9) .
[ ص: 11 ]
لذلك لا يكفي هـنا لتجديد أمر الدين، الاستباق فيحفظ ما أنزل، ونقله ضمن الضوابط المنهجية والوثائقية المعتمدة للنقل الثقافي، أي لا يكفي حفظ وفقه النصوص، بل لا بد أيضا من استيعاب فقه التنزيل والتطبيق، وهذا لا يتحقق إلا في ضوء ما تمنحه السيرة النبوية الصحيحة، والخلافة الراشدة، وفهم خير القرون المشهود لها، في كيفية فهم وتنزيل الكتاب والسنة على الواقع.
إن تجديد أمر الدين يتحقق بامتلاك الفقه للنص، والقدرة على التعامل مع قيم الكتاب والسنة، من خلال مشكلات الإنسان والمجتمع، وقضاياه، وإيجاد الحلول الشرعية، التي تتلائم مع هـذا الواقع في ضوء إمكاناته واستطاعاته، وتقديم الأوعية الشرعية لحركة الحياة، وعدم الاقتصار على الإحساس بالمشكلات دون القدرة على إدراكها، وكيفية التعامل معها.
ذلك أن الاقتصار على إطلاق الشعارات، وصياغة أساليب الترغيب والترهيب، أو تغليب ثقافة الرفض والانسحاب من الواقع إلى غرف الانتظار، والسقوط في حالة التخاذل الثقافي، وفكرة الإرجاء المذهبي، لا يجدي شيئا، كما أن الاكتفاء بالحكم على مسالك الناس وأفعالهم بالحلال والحرام، والسير وراء المجتمع دون القدرة على السير أمامه وريادته، وتقديم البرامج والنماذج من فعل الحلال والامتناع عن فعل الحرام، لقيادة الأمة وإثارة الاقتداء، هـدر للطاقات في غير مواضعها.
ولعل سبيل الخروج من الحال التي صرنا إليها، يكمن في التحول من
[ ص: 12 ] التفكير الارتجالي الآني ، القائم على ردود الأفعال والقتال في غير عدو، واستنزاف الطاقة في معارك جزئية لاهية، إلى التفكير الاستراتيجي الذي يستوعب سنة المدافعة ويحسن تسخيرها، أو يدرك السنن الاجتماعية والنفسية،ويحسن التعامل معها، وهذا لا يتأتى إلا بمعرفة الواقع بدقة، والأسباب التي تقف وراءه، إضافة إلى التعرف بدقة أيضا على الإمكانات المتوفرة والظروف المحيطة، وتحديد مدى التكليف الشرعي المطلوب والممكن في كل مرحلة، في ضوء التكليف الرباني ومراتب الأحكام وواقع المكلفين، والتبصر بالعواقب والمآلات، وعدم الخضوع لعوامل الإثارة والاستفزاز.
فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول:
( ليس الشديد بالصرعة، وإنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب ) ( متفق عليه) ،
( ويقول لعائشة رضي الله عنها : لولا حداثة قومك بالكفر، لنقضت البيت، ثم لبنيته على أساس إبراهيم عليه السلام ) ( متفق عليه) . والقرآن الكريم يؤكد على أهمية النظر في العواقب والمآلات والنتائج وتقدير حجم الخسائر، ويعتبرها من الأمور المحسومة في قضية الدعوة والتدين، وبسط قيم الدين،
فيقول:
( وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا *
هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطئوهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما ) (الفتح: 24-25) .
[ ص: 13 ]
وهكذا يوقف الرسول صلى الله عليه وسلم هـدم
الكعبة البيت الحرام، وإعادة بنائه على أصول وقواعد سيدنا
إبراهيم ، بسبب حداثة عهد العرب بالإسلام، درءا للفتن المحتملة، ويوقف الجهاد لإزاحة التحكم ببيت الله الحرام، وصد المسلمين المؤمنين من الوصول إليه، وتكف أيدي المؤمنين بعد ما كاد النصر على الكفر أن يتحقق، خشية أن تلحق الإصابة وآثار الحرب برجال مؤمنين ونساء مؤمنات، في داخل مجتمعات الكفر لم يتزيلوا، فتلحق المسلمين بإصابتهم معرة، فليس الجهاد إذن تدميرا أعمى وغاية بحد ذاته، بل لا بد من استحضار حكمته المشروعة، وتحديد الهدف قبل تسديد الرمية.
ومن هـنا ندرك كم يمكن أن يخلف الحماس، والرايات العمية من الغوغائية، وغياب الفقه والوعي، وغبش الرؤية، وعمى الألوان، الأمر الذي يجعل من الكثير من المسلمين رصيدا جاهزا للتضحية، تستعار دماءهم لتصفية الخصومات والحسابات الدولية، دون أن يكون للإسلام والمسلمين نصيب من ذلك. ولسنا بحاجة إلى إيراد الأمثلة، التي تمثل في أكثر من موقع حالة ثقافية للعقل المسلم، أكثر من كونها حالة جغرافية لمنطقة معينة.
وقد لا نرى أنفسنا بحاجة إلى بيان دور الخطاب الدعوي أو الخطاب الإعلامي بشكل أعم، والتأكيد على أهميته وفاعليته وآثاره على الأصعدة المتعددة، إلى درجة يمكن أن نقول معها: إن السبق اليوم في امتلاك المعلومة وامتلاك القدرة على التحكم بها، وكيفية التعامل معها، أصبح هـو القوة الحقيقية لعالم الغد، التي سوف ترتكز إليها دولة المستقبل، وتحقق لها الغلبة الحضارية والثقافية، ذلك أن امتلاك القوى المادية وأسلحة الدمار
[ ص: 14 ] المتطورة، يمكن أن تقهر الإنسان أو أن تلغيه، أو أن تخرسه إلى حين، لكنها تبقى عاجزة عن إعادة صياغته وتشكيله والتحكم بتوجيه قابلياته، وتطوير خصائصه وصناعة اهتماماته.
لذلك نرى أن التوجه صوب تشكيل الأمة والدولة الإعلامية والمعلوماتية اليوم، بدأ يسبق تشكيل الدولة السياسية والقانونية، أو على الأقل يرافقها ويساندها، وأصبح الاهتمام يتوجه إلى إعادة بناء الأمة بكل خصائصها قبل بناء الدولة.. فالسباق الحقيقي والمعركة الحقيقية هـي معركة المعلومات والإعلام، وكان الأولى بنا نحن المسلمين أن ندرك حقا أهمية الخطاب الإعلامي ودوره في تشكيل الأمم، وعلى الأخص أن أمتنا المسلمة تشكلت من خلال خطاب، من خلال كتاب، فكان القرآن ولا يزال، خطاب عقيدة وعلم ووعي وفكر وثقافة، لذلك جعل الجهاد به من أكبر أنواع الجهاد، والتسلح به من أمضى الأسلحة وأكثرها أثرا، والتذكير به من أهم عوامل الإنابة والتصويب والاستقامة والحصانة الحضارية؛ لأنه يخاطب الإنسان بكل خصائصه وصفاته،
قال تعالى:
( فذكر بالقرآن من يخاف وعيد ) (ق: 45) .
وقال:
( فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهادا كبيرا ) (الفرقان: 52) ..
ولذلك كانت وسيلة الكفار في المواجهة، الهرب من الخطاب القرآني الإعلامي، ومحاولة إقامة الرقابات والحواجز دون وصله إلى أسماعهم، والشغب عليه، حيث قص علينا القرآن حالهم وما أصابهم من الارتباك،
بقوله:
( لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون ) ( فصلت:26) .
[ ص: 15 ]
لقد كانت الأمم تتشكل قبل القرآن من خلال إحساسها المادي، وما يقع تحت حواسها، من ألوانها وأجناسها وأرضها ونسبها، فأصبحت تتشكل بعد القرآن من خلال عقلها وفكرها، وأصبح الكسب والعطاء والتقوى معيار إنسانية الإنسان والأمة والمجتمع والدولة، فتم الفرز الحقيقي بين عالم الإنسان العاقل المكلف محل الخطاب، وعالم الحيوان وملحقاته، من الذين يبطلون عقولهم، الذين مثلهم
( كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) (البقرة: 172) .
وقد يكون من المفيد هـنا أن نذكر بعض الغافلين عن دور الخطاب الإعلامي وأهمية امتلاك المعلومة، وكيفية توظيفها، وحسن التعامل معها، بأن أكبر دولة متحكمة في عالم اليوم، وأملك دولة للأسلحة المتطورة، والأموال التي تحرك قوة العالم الاقتصادية أو تعطلها متى شاءت، تسعى لبناء دولة المستقبل المهيمنة، وترى ذلك من خلال امتلاكها المعلومة، وكيفيات إعادة بناء الخطاب الإعلامي والمعلوماتي، الذي يمكنها من إلغاء الخصوصيات الثقافية، وتشكيل العالم ذي البعد الحضاري والثقافي الواحد، بعيدا عن الجعجعة والخطاب الأجوف! " فالمعرفة قوة، قول يصح اليوم أكثر من أي يوم مضى، والبلد الذي يستطيع قيادة ثورة المعومات على أفضل نحو، هـو البلد الذي سيكون أقوى البلدان.. وفي المستقبل المنظور، هـذا البلد هـو
الولايات المتحدة فأميركا قوة واضحة من الناحية العسكرية، ومن ناحية الإنتاج الاقتصادي ولكن تفوقها غير الواضح تماما على البلدان الأخرى يكمن في قدرتها
[ ص: 16 ] على جمع المعلومات ومعالجتها، والتصرف على أساس ما توفره من معرفة، ونشرها وتوزيعها.. وهذا التفوق المعلوماتي، يمكن أن يساعد على ردع وهزيمة تهديدات عسكرية تقليدية، بكلفة بسيطة نسبيا.. وفي الحقيقة، أن القرن الواحد والعشرين، لا القرن العشرين، هـو الفترة التي ستكون فيها
أميركا في الأوج، فالمعلومات هـي حجر الزاوية الجديد في المجال الدولي.. إن القنوات الدبلوماسية والإذاعية الرسمية، التي يمكن من خلالها استخدام الموارد المعلوماتية والتفوق المعلوماتي يجب أن يحافظ عليها، فوكالة الإعلام الأميركية، وإذاعة صوت أميركا، وغيرها من الوكالات الإعلامية، تحتاج إلى تمويل كاف " ( مجلة الشئون الخارجية بقلم جوزف ناي ووليم أونيز- نشرة الأنباء العربية الصادرة عن وكالة الإعلام الأميركية في 4 / 3 /1996م ) .. والمقال طويل وذو أبعاد إستراتيجية معلوماتية وإعلامية متعددة، قد لا تغني المقتطفات من العودة إليه، وإدامة التأمل فيه.
فإذا كان للخطاب الدعوي أو الإعلامي بشكل عام، الذي يعني أول ما يعني الإحاطة بالفكرة والمعلومة المراد نقلها أو الإعلام بها، والأمانة والصدق في نقلها، ومن ثم امتلاك الكيفية، التي تعني بلوغ أحدث الوسائل والأساليب والأوعية الإعلامية التي تحمل المعلومة إلى الآخر، وتحاول إقناعه بها.. هـذه الأهمية والخطورة من حيث الآثار السلبية والإيجابية التي يمكن أن يتركها في التشكيل الثقافي للفرد والأمة على حد سواء، كان لا بد أن يبقى الهاجس الدعوي أو الإعلامي حاضرا دائما
[ ص: 17 ] ومستمرا، وأن يبقى الملف الدعوي والإعلامي على مستوى النظرية والتطبيق كما يقال، مفتوحا وخاضعا للنظر والدرس والمراجعة، والمناقشة والمشاورة والمذاكرة، والمتابعة والتقويم ودراسة الجدوى.
ولعل من الأوليات المطلوبة في هـذا الملف أو هـذا المجال، التي تستدعي المناقشة والإيضاح والحسم، هـي التمييز بين المدعو له: ( الرسالة الإسلامية) ، الذي يمكن أن نطلق عليه اصطلاحا مسمى: " الدعوة " ، أي عطاء معرفة الوحي في الكتاب والسنة والسيرة بكل أبعادها، في مجال العقيدة والعبادة والمعاملة والثقافة والسياسة والحضارة والعمران والأخلاق، وبين وسائل وأساليب توصيلها وإبلاغها، ذلك أن الخلط والتداخل بين الأمرين حمل وسوف يحمل الكثير من المضاعفات والمعوقات والعقبات، وقد يؤدي إلى التجمد والتيبس والانسداد، وعدم التكيف والتلائم والتطور والقدرة على اكتشاف وسائل جديدة متناسبة مع العصر، بلغته وثقافته ومشكلاته، لتنزيل القيم الإسلامية على الواقع وإثارة الاقتداء بها، أو بعبارة أخرى تحقيق خلود الإسلام وبسط أحكامه على الواقع الحياتي.
ذلك أن القيم الإسلامية في الكتاب والسنة – كما هـو مسلم – خالدة وثابتة ومعصومة، مجردة عن حدود الزمان والمكان، مصدرها إلهي مقدس.. أما أساليب إبلاغها وتوصيلها وتعليمها، وإعلام الناس بها، ودعوتهم إلى اعتناقها، فهي اجتهادات بشرية يجري عليها الخطأ والصواب، وقد تصاب بانطفاء الفاعلية، وشيوع الرتابة، وانعدام القدرة على التأثير، وعلى الأخص أن وسائل الإعلام والاتصال من حولنا تتجدد
[ ص: 18 ] يوميا، وتقفز قفزات نوعية يصعب على الإنسان متابعتها، ولا يسعه في كثير من الأحيان إلا الاستسلام لها، إذا افتقد رؤيته وحصانته ومعياره في الحكم على الأشياء.
لذلك نقول: إن الجمود والعجز عن الإبداع في عملية البلاغ المبين، أو في أساليب ووسائل الدعوة، قد يكون مرده في كثير من الأحيان التداخل والتلبس الحاصل في بعض الأذهان بين الاجتهادات البشرية، والنصوص والقيم الإسلامية، أو بين الدين وأساليب وصور التدين من بعض الوجوه، حيث يسود التوهم والوهم بأن أي تغيير في أساليب البلاغ المتوارثة أو تجديد فيها، أو تفكير في أوعية إعلامية متطورة، يعني انتقاض عرى الدين واهتزاز قيمه.
وقد يكون ذلك هـو السبب الرئيس في أننا نرى أن الأمم تتغير من حولنا في أفكارها وأشيائها وثقافاتها وحضارتها واهتمامات إنسانها ومؤسساتها، تتغير سياسيا وثقافيا، وتختلف مشكلاتها وحاجاتها وواقعها التعليمي والإعلامي، ووسائلنا في الدعوة على حالها، وخطابنا هـو ذاته، إلى درجة يمكن أن نقول معها: إن أساليبنا الدعوية وقوالبنا الإعلامية هـي أقرب لأن تكون قبورا لأفكارنا ومعتقداتنا وثقافتنا، ذلك أن عدم الاستجابة لخطاب الفطرة، تعني في كثير من الأحيان، حدوث العطب والعطالة في أدوات التوصيل.
ولو حاول أحدنا أن يقوم بدراسة للخطاب الإعلامي الإسلامي، أو الأوعية الإعلامية الإسلامية، المقروءة والمسموعة والمشاهدة قبل نصف قرن
[ ص: 19 ] تقريبا، وتيسر له الاطلاع على بعض الصحف والمجلات الإسلامية، التي صدرت من نصف قرن تقريبا، أو الاستماع لبعض الخطب في المساجد والمواقع والمناسبات المختلفة، ومن ثم حاول الاطلاع أو السماع والمقارنة مع ما يصدر حديثا، لرأى أننا وعلى الرغم من كل التقدم من حولنا، وبإيقاعات سريعة، ما نزال نراوح في مواقعنا ونتوهم أننا نقطع المسافات الطويلة!! ذلك أن نصف قرن من التغيير والتطور والتحول الاجتماعي والسياسي والثقافي، لم يستفزنا ولم يغير من حالنا ووسائلنا، حتى ليكاد الإنسان يشك اليوم أن لكثير من أشكال الخطاب الإسلامي هـدفا ومنهجا وإستراتيجية واضحة، وإنما هـو في كثير من الأحيان أداء لواجب، وخروج من عهدة التكليف، ولذلك ترانا بدل أن نفكر بوسائل النهوض والارتقاء، نذهب إلى دراسة ما يجب أن يكون، تاركين البحث في كيفية الوصول إلى هـذا الذي يجب!! مرددين كلمة: يجب أن يكون كذا وكذا، دون أن نكلف أنفسنا النظر في كيف يكون هـذا أو ذاك.. إننا لا نجدد ولا نتجدد! ومع ذلك ننعى حظنا العاثر.
بل لعلنا نقول: إن محاولتنا تسويغ هـذا الركود والتخلف والتخاذل، تبرئة لأنفسنا، جعلنا ننقل القدسية والعصمة من القيم الإسلامية في الكتاب والسنة إلى اجتهادات البشر، التي أصبحت قوالب نحتمي بها، ونتعبد بها، ونستميت في الدفاع عنها.. ولعلي أعزو ذلك إلى حالة من العقم الثقافي التي ينتكس فيها الإنسان، ليصبح الافتخار بماضيه والتغني به وبإنجازاته بديلا عن استيعاب الحاضر، واستشراف المستقبل.. لقد نقل
[ ص: 20 ] المستقبل إلى الماضي، وأصبحت بعض مجتمعاتنا واهتماماتنا ورؤانا، أشبه بأندية المتقاعدين أو المحالين على المعاش.. ومع شديد الأسف يمكننا أن نقول: بأن هـذه الحالة تفقدنا الأهلية المطلوبة لنكون بسوية إسلامنا وعصرنا! إسلامنا: رسالة وعقيدة، وعصرنا: وسيلة وبلاغا مبينا.
ولعل من آثار هـذا العقم الثقافي، الذي قد يكون من أخطر الإصابات الإعلامية، أو إصابات وسائل الدعوة وعملية البلاغ المبين، تكمن في التوهم بأن عالمية الإسلام وخلوده وصلاحيته لكل زمان ومكان تنعكس على وسائل البلاغ، بحيث يصبح الخطاب واحدا لكل مجتمع، وليس فقط لكل عصر مهما كان واقعه وثقافته ورواسبه الدينية، وظروفه الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية والمذهبية.
إن الخطاب الذي يصلح لمجتمع متخلف مستعمر أمي جاهل مبعثر ملحد، لا يصلح بالتأكيد لمجتمع متعلم متحرر مستقل مبدع متدين جاد متطور.. من هـنا نقول: إن الخطاب الدعوي المطلوب للنهوض بالعالم الإسلامي بحاله التي هـو عليها اليوم، ومشكلاته التي يعاني منها على مختلف الأصعدة، والعودة به إلى الإسلام وإقناعه بأن تخلفه لم يكن بسبب استمساكه بالإسلام، وإنما بسبب انسلاخه عنه، وارتهانه الثقافي والحضاري، لا يصلح للمجتمع الأوربي والأميركي بمواصفاته وظروفه وإنسانه.
لذلك نعتقد أن حمل الخطاب الدعوي والسياسي والثقافي والتربوي والإصلاحي، القائم في العالم الإسلامي بمواصفاته الكاملة، إلى العالم الأوروبي والأميركي أو الأفريقي، سوف يفقده قيمته وفاعليته، بل قد
[ ص: 21 ] يحمل صورا سلبية عن الإسلام ومنظومته الفكرية وحضارته الإنسانية، فيتحول إلى وسيلة للتنفير، وإقامة الحواجز النفسية.. فترجمة الكتب التي ألفت في العالم الإسلامي، للغات الشعوب الأخرى، بدون دراية ودراسة لواقعها وحاجاتها ودون معيار دقيق في الاختيار، وخاصة بعض الكتب الخلافية، سوف يؤدي إلى إسقاط تلك الشعوب في مستنقعات الخلاف، وإعطائها صورة مشوهة عن الإسلام، يحمل من التنفير والكراهية ما لا يمكن عمله من قبل أعداء الإسلام.
كذلك حال الذين يحملون أحكام الإسلام، ويريدون تطبيقها جملة واحدة على مجتمعات لا علاقة لها سابقة بالإسلام، ولا معرفة لها به، ولما تؤمن بعد، غافلين عن البعد التربوي في الخطاب الدعوي، وحاجة المجتمعات إلى التدرج، وتثبيت الفؤاد، واطمئنان القلب، والثبات على الحق.. إنهم يقعون بغير إدراك وقصد في لجاج المنكرين للرسالة، الذين حكى الله قصتهم، بقوله تعالى:
( لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ) (الفرقان: 32) .
والقرآن الكريم مصدر الخطاب الإسلامي الإعلامي والدعوي والثقافي والعقيدي والسياسي والفكري، والذي تشكلت من خلاله خير أمة أخرجت للناس، كما أسلفنا، أخذ بالاعتبار المخاطبين ومستوياتهم، وخلفياتهم الدينية والثقافية، ودرجات إيمانهم، وفروقهم الفردية، فراعى التنوع في الخطاب، والتدرج في أخذ الناس بأحكام الدين شيئا فشيئا، فكان خطابه في
مكة المكرمة غير خطابه في
المدينة المنورة ، من حيث
[ ص: 22 ] النداء والمضمون، والفاصلة القرآنية، والإيقاع والمثل والشاهد والنموذج، وبيان أصل النشأة والحديث عن المصير... إلخ.
فالقضايا التي تمحور حولها الخطاب المكي، والأساليب التي استعملها، والتحدي الذي مارسه، والأهداف التي قصد إليها، غير القضايا والأساليب والأهداف التي اتجه إليها خطاب القرآن المدني.. والترتيب للسور والآيات، الخالد، الذي جاء لبناء الرؤية القرآنية المستمرة، جاء توقيفيا على غير أزمنة النزول، ليتعامل أهل كل زمان مع القرآن من خلال الحال التي هـم عليها.
وكان الخطاب للمؤمنين، غير الخطاب للكافرين.. وكان الخطاب لأهل الكتاب ومحاججتهم، وتحذيرهم من كتمان الحق، غير الخطاب للكفار.. والخطاب للمنافقين، غير الخطاب للكافرين.
وكان خطاب الجهاد والمعركة والتحريض على القتال، وطلب الشدة والغلطة على الكفار، والتحذير من التولي عن الزحف، غير خطاب السلم والتعاهد والتصالح، والتعامل مع الأسرى ومخاطبتهم.
وكانت مواصفات الخطاب في مرحلة الدعوة، وحالة الدعوة، غير مواصفات الخطاب في مرحلة الدولة، وبيان أعباء الاستخلاف والعمران، ومسئولية النكول عن أداء الأمانة.
وكانت مواصفات الخطاب التربوي، غير مواصفات الخطاب التشريعي وتقرير الأحكام.. ومواصفات الخطاب في مجال العقيدة، وتحرير وحسم
[ ص: 23 ] مفاهيم الولاء والبراء، غير مواصفات الخطاب في مجال البناء الاجتماعي، أو إقامة وبناء العلاقات الاجتماعية على البر والقسط.. وكانت مواصفات وأهداف الخطاب في حالة الاستضعاف، غير مواصفات الخطاب في حالات التمكين.. وكان القرآن في ذلك كله معلما، ومنارة اتباع واقتداء؛ لأنها حالات متعددة ومتنوعة، وقد تكون متجاورة، تتعرض لها الحياة البشرية، ويتعرض لمعالجتها الدعاة، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
وكان من أساليب القرآن المعلم في البلاغ المبين: الحوار، والمناقشة، والمناظرة وطلب البرهان والدليل، والدعوة إلى كلمة سواء، والمباهلة، وضرب الأمثال، والتعبير المباشر، والترغيب والترهيب، والتبصير بالعواقب والمآلات، وتقديم نماذج من نتائج المناظرة وطي مقدماتها، ودحض حجة الكافرين، وتوظيف الحدث التاريخي، ولفت النظر إلى السنن الاجتماعية الحاكمة في الحياة، من خلال القصص والمآلات التي انتهت إليها الأمم السابقة وعواقب أعمالها، بحيث غطى خطاب القرآن الكريم جميع الجوانب الإنسانية.. خاطب العقل، والوجدان، والضمير، والعاطفة، وحرك الدوافع الفطرية الخيرة، وحذر من النوازع الشريرة، وقدم نماذج ونتائج للنزوع إلى الشر، وأجاب عن الأسئلة الكبرى المتعلقة بأصل النشأة، وطبيعة المصير، ورسم لوحات ومشاهد للحالات البشرية جميعها، من العبودية والخوف الخوف والرجاء والندم، والتأله والاستكبار، والإحباط والسقوط والنهوض، مستعينا بأحوال الأمم السابقة، وببعض النماذج المشهورة، كما قدم مشاهد على المصير ونتائج المسالك والأعمال في الدنيا.
[ ص: 24 ]
ولم تتعد مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم في توصيل الرسالة وأداء وظيفة البلاغ – في المراحل الأولى – قراءة القرآن، أو إن صح التعبير: اعتماد الخطاب الإعلامي القرآني ، الذي بين وعلم وبرهن وتحدى وأعجز، حتى خضعت له الرقاب، وهرب من سماعه الكفار، وكانوا في هـيامهم على وجوههم
( كأنهم حمر مستنفرة *
فرت من قسورة ) (المدثر: 50-51) .
ولم يقتصر القرآن الكريم على الارتكاز إلى الوعي التاريخي، وإنما تحدى، فأخبر عن الغيب غير المعلوم، سواء كان ماضيا أو حاضرا أو مستقبلا، كما لم يتجمد على حالة واحدة، ويعتبرها نهاية الكلام وفصل المقال.
لقد تنوعت الأساليب وتعددت مواصفات الخطاب، لتسع جميع الحياة ومستويات المخاطبين، إلى درجة يمكن أن يتوهم معها بعض الجهلة وجود تناقض بين أنماط الخطاب القرآني، الأمر الذي دفع بعضهم الآخر إلى إعمال النسخ لكل أساليب الدعوة، لانتهاء مرحلتها في المجتمع الأنموذج، دون التنبه إلى أن البشرية سوف تمر بالكثير من المنعطفات والمتعرجات والسقوط والنهوض بأقدار التدين، التي تستدعي النماذج الملائمة لحالها من الخطاب القرآني المتنوع.. وهذا لا يعني التقطيع والانتقاء، بمقدار ما يعني استصحاب الرؤية الشاملة، وتحديد موطن الاتباع.
وقد تكون المشكلة في عدم استيعاب مواصفات الخطاب لكل مرحلة وحالة، فيقع اللبس والتداخل، والقول بالنسخ لموضوع خطاب بموضوع خطاب آخر.
[ ص: 25 ]
والسنة كمبينة للقرآن وشارحة له، والسيرة كتطبيق عملي، جاءت منزلة لهذا الخطاب على حياة البشر المتنوعة، بأوعية متعددة.
وكانت تراعي حال المخاطبين وحاجاتهم ومشكلاتهم واستطاعتهم وأقدار عقولهم،
( قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ : ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله، صدقا من قلبه، إلا حرمه الله على النار قال: يا رسول الله! أفلا أخبر به الناس، فيستبشروا، قال: لا، إذن: يتكلوا، وأخبر بها معاذ عند موته تأثما أي تجنبا للإثم ) (رواه
البخاري في كتاب العلم) .
وقال لمن جاءه يستأذنه في الجهاد:
( أحي والداك؟، قال: نعم. قال: ففيهما فجاهد ) ( رواه البخاري
ومسلم ) .
وأقبل رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم
( فقال: أبايعك على الهجرة والجهاد، أبتغي الأجر من الله، فقال: فهل من والديك أحد حي؟، قال: نعم، بل كلاهما. قال: فتبتغي الأجر من الله؟، قال: نعم. قال: فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما ) (رواه مسلم) .
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم كل واحد بغير ما أوصى به الآخر، لاختلاف أحوال وحاجات من سألوه الوصية.
روى
الإمام أحمد واللفظ له،
والترمذي ،
( عن أبي ذر رضي الله عنه ، قال قلت: يا رسول الله! أوصني. قال: اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن ) .
[ ص: 26 ]
وروى
أبو هـريرة رضي الله عنه ،
( أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أوصني بشيء ولا تكثر علي لعلي أعيه. قال: لا تغضب ) ( رواه
البخاري ) .
وعن أبي هـريرة رضي الله عنه ،
( أن أعرابيا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! دلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة. قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة المكتوبة، وتؤدي الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان قال: والذي نفسي بيده لا أزيد على هـذا شيئا ولا أنقص منه ) . (البخاري
ومسلم ) .
وروى
الترمذي وابن ماجه عن
عبد الله بن بسر :
( أن رجلا قال: يا رسول الله! إن شرائع الإسلام قد كثرت علي، فأخبرني بشيء أتشبث به، قال: لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله ) .
وروى الترمذي
( عن عقبة بن عامر ، قال قلت: يا رسول الله! ما النجاة؟ قال: أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك ) .
وقد أجاب الرسول صلى الله عليه وسلم أجوبة مختلفة حول أفضل الأعمال، بحسب أحوال الناس، فقد أجاب كل سائل بما رآه في حقه أو في حين سؤاله أفضل، بحسب حاجته وظروفه،
( فقال لإنسان عندما سأله: أي الإسلام خير؟ قال: تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ) .
[ ص: 27 ]
وأجاب سائلا آخر عندما سأله: أي المسلمين خير؟
( فقال: من سلم المسلمون من لسانه ويده ) .. ومن سأله: أي العمل أفضل؟
( قال: جهاد في سبيل الله، قيل: ثم ماذا: قال: حج مبرور ) .. ولمن سأله عن أحب الأعمال إلى الله،
( بقوله: الصلاة على وقتها ) .. وقال لسائل آخر عن نفس السؤال:
( الإيمان بالله، ثم صلة الرحم، ثم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .
وهذا غيض من فيض من الخطاب النبوي في الدعوة والبلاغ المبين، وهكذا فلكل مقام مقال، ولكل حالة علاج، ولكل داء دواء، ناهيك عن تنوع أساليب الخطاب بحيث يوافق الكلام لمقتضى الحال.. وعلى الرغم من عالمية الخطاب الإسلامي وتجرده عن قيود الزمان والمكان، بخلوده وخاتميته، بكل ما يقتضيه ذلك من منطلقات وأهداف ومواصفات، فإن الخطاب القرآني وبيانه في السنة استطاع أن يحل المعادلة الصعبة بين الماضي والحاضر والمستقبل، والإقليمي والعالمي، والفرد والمجتمع، والدولة والدعوة والحكومة والأمة، ويحقق النظرة المنسجمة للكون والإنسان والحياة، بحيث تمضي الحياة وفقا لسنن ونواميس متوازية ومنسجمة ومنضبطة النسب، لا تتعارض ولا تتناقض ولا تتصادم، لأن مصدرها واحد.. فعقيدة التوحيد، المرتكز الأساس للخطاب الإسلامي، ولبناء المسلم، انعكست بالتوحد وتحقيق الانسجام والتوافق بين جميع عناصر الكون والحياة.
لقد بلغ الخطاب القرآني وبيانه في السنة، من استيعاب الواقع
[ ص: 28 ] والإحاطة به، والتوفر على معالجة قضاياه ومشكلاته، وكيفية التعامل مع الحالة التي هـو عليها، والبدء مع الإنسان من النقطة أو الحالة التي هـو فيها، آفاقا وأبعادا، معلمة ومثيرة للاقتداء والإتباع والاغتراف الثقافي والإعلامي.
وحسبنا أن نقول: إن أسباب النزول للآيات وأسباب الورود للأحاديث، تعني فيما تعني استيعاب الواقع بكل أبعاده ومشكلاته، ومقتضياته، ولا نريد أن نجازف فنقول: يكاد يكون الواقع لشدة حضوره هـو الذي يستدعي النص ويتسبب في نزوله، ويحدد زمانه وطبيعة معالجته.. ذلك أننا عندما نقول: سبب النزول، بالمعيار البشري، أو بالفهم البشري البعيد أو الغافل عن الإيمان بأن الله سبحانه وتعالى هـو خالق الأسباب والمسببات، فإن ذلك يعني أن الواقع هـو السبب وهو الحاكم والمتحكم بالنص. ولعل تسميتها " بمناسبات النزول " ، دفعا لمثل هـذا التوهم، أولى من تسميتها " بأسباب النزول " .. فأية واقعية للخطاب القرآني وبيانه أبعد من هـذه الواقعية؟!
ولا يخفى أن هـذه الأسباب للنزول والورود، ما هـي في الحقيقة إلا نماذج ووسائل معينة على الفهم، ومساعدة على حسن تنزيل النص على الحياة، وليست قيودا زمانية أو مكانية، تحد من مد الرؤية، استيعاب الزمان والمكان في ضوء هـدايات الوحي.
ولذلك يمكن القول: إن النص الصحيح المنزل، بحسب سبب نزوله ووروده في مجال العلوم الإنسانية والاجتماعية، أشبه بالتجربة المعملية أو المخبرية في العلوم التطبيقية التي تجري في زمان ومكان محدودين، لتنقل
[ ص: 29 ] فيما بعد للإفادة من كشفها وتصميمها في مواقع الحياة المختلفة في الأزمنة المتعاقبة.
وقد تكون مباحث دلالات الألفاظ، ودراسة طبيعة النص وخصائصه ما بين خاص وعام، ومطلق ومقيد، ومجمل ومفصل، وقطعي الدلالة وظني الدلالة، ومحكم ومتشابه، ودلالته من حيث إشارة النص وعبارة النص.. إلخ، خصائص الخطاب القرآني ، مجالا غنيا للرؤية، يمنحنا الكثير من الدقة والمرونة في الوقت نفسه في إعادة صياغة الخطاب الإسلامي المعاصر.
وقضية أخرى قد يكون من المفيد التوقف عندها بما يتسع له المجال، وهي أن دارسة الواقع وحال المخاطبين ومستوياتهم وفوارقهم الفردية والشرائح الاجتماعية المتعددة في التخصصات والمواقع المختلفة، والسوية الثقافية للفرد والمجتمع، والعمر الحضاري، والخلفيات التاريخية، كل ذلك بحاجة إلى إحاطة واستيعاب، بحاجة إلى مواصفات خاصة، وإلى أنماط من الخطاب، وأنماط من الدعاة أو المخاطبين، بحيث ينطلق الجميع من مرجعية شرعية واضحة، ويبصرون أهدافا واضحة، سواء في التدرج المرحلي، أو البناء القاعدي، هـذا إضافة إلى الخطاب العام، الذي يتوجه إلى الجميع بسوياتهم المتعددة، والذي من أولى مهامه بناء النسيج الثقافي المطلوب وتحقيق المناعة الحضارية، لكل الشرائح والمستويات.. ولعل تنوع مستويات الدعاة، وتعدد مؤهلاتهم، يجعل بين الحاجات المتفاوتة والمتنوعة للمخاطبين والاستجابة، تواعد والتقاء، لكن تبقى المشكلة أو
[ ص: 30 ] الإصابة – إن صح التعبير- التوهم بأن كل إنسان قادر على كل أنواع وأنماط الخطاب، بمختلف مستوياته وأوعيته.
ولعلنا نلمح أهمية هـذه الواقعية والاستيعاب للواقع، وضرورة ربط الخطاب بقضاياه، والانطلاق في البناء الحضاري منه،
في قوله تعالى:
( بلسان قومه ليبين لهم ) (إبراهيم: 4) .
وقوله تعالى:
( رسولا من أنفسهم ) (آل عمران: 164) .
صحيح أن أول ما يتبادر للذهن في قوله تعالى:
( بلسان قومه ) ، هـو البعد اللغوي كوسيلة للخطاب والفهم والتفاهم، لكنني أرى أن للآية أبعادا أخرى، تتمحور حول وسيلة فهم الواقع، واستيعاب وامتلاك الخطاب المناسب لأهله، حتى يمكن تحقيق الارتقاء والنقلة الحضارية، إضافة إلى أن خروج الرسول جاء من خلال هـذا الواقع بقضاياه ومشكلاته ومعادلاته الاجتماعية والثقافية، وهي صفات لا بد منها لقيادته وتحديد طبيعة ومواصفات خطابه.
وقد لا نكون بحاجة إلى التذكير، ونحن بسبيل الدعوة إلى إعادة البناء على الأسس الإسلامية، بأن فهم المجتمع واستيعابه وإدارك العناصر المكونة له، تقتضي معرفة السنن الاجتماعية التي جعلها الله أقدار لا تتخلف ولا تتبدل ولا تتحول إلا بمدافعتها ومغالبتها بعد إدراكها بأقدار أحب إلى الله منها، وهذا يتطلب الوعي التاريخي؛ لأن هـذه السنن اختبرت تاريخيا، بما يمكن أن يقضي على الكثير من الأوهام في عدم
[ ص: 31 ] فاعليتها واطرادها، فهي مؤكدة بالتاريخ، ولقد تحدى القرآن بعواقب الغفلة عنها، إلى درجة يمكن أن نقول معها: إن القرآن يرشدنا إلى أن التاريخ مصدر لهذا الفقه الحضاري والاجتماعي الذي لا بد منه، لاستيعاب الحاضر وإبصار المستقبل معا.. لذلك جاء معظم الخطاب القرآني مرتكزا على قصص الأنبياء، حتى يتحقق الوعي من خلال الحدث التاريخي، ويأخذ بعده الصحيح في تشكيل خطاب الدعوة، والتشكيل الثقافي بوجه عام.
ولعل القراءة الدقيقة التي قدمها الخطاب القرآني للتاريخ، ولفت النظر إلى عواقب الغفلة عنها وإهمالها، ما يحقق البيان والمعرفة، ويحقق الاهتداء إلى سبل النهوض والسقوط، ويحقق الاعتبار والاتعاظ، ويمكن من الوقاية الحضارية.. وبهذا نقول: إن استيعاب التاريخ، والتبصر بالعواقب، هـو في الحقيقة رؤية مستقبلية دقيقة ممنوحة من معرفة الوحي المعصومة، وتصديق الواقع الملموس.. فإلى أي مدى يمكن الإفادة من هـذه الرؤية وتوظيفها في الخطاب الإسلامي المعاصر،
قال تعالى:
( فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين *
هـذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين ) (آل عمران: 137-138) .
وقد لا نستغرب بعد ذلك عندما نسمع أن الخطاب الإعلامي المعاصر هـو في الحقيقة ثمرة لمجموعة علوم إنسانية واجتماعية، ورؤى تاريخية، وبحوث وتجارب ميدانية، واستطلاعات واستبيانات علمية، وبعد ذلك كله دراسات تقويمية لصحة المسار. هـذه المعارف كلها تساهم في بناء
[ ص: 32 ] الخطاب الإعلامي أو الدعوي، وليست عملية الدعوة عملية ساذجة وبسيطة وعفوية وارتجالية.. تتم بمجرد الحماس بعيدا عن إدراك جميع أبعاد خطاب الوحي والتأسي به، ذلك أن الإعلام الذي يمثل خلاصة لمجموعة علوم إنسانية واجتماعية، كما أسلفنا؛ هـو الأكثر تأثيرا؛ لأنه تعليم مستمر، وتربية توظف جميع الاختصاصات وتوجهها صوب ما تريد.
وبعد ذلك ليس غريبا أن نقول: إن الناس على دين إعلامهم.. إنه فن وعلم، وموهبة واكتساب، وليس ادعاءا وتطاولا وغثاء طافيا، إنه يتشكل من خلال المجتمع وثقافته، ومن هـو الذي يعيد تشكيل المجتمع ويقيم بناءه.
نعود إلى القول: إنه من الخطورة بمكان الخلط بين موضوع الدعوة ووسائلها، بين التنزيل الإلهي المعصوم المقدس الخالد، وبين الاجتهاد البشري أو الفهم البشري الظرفي القابل للخطأ والصواب، والمراجعة والنقد، والنقض والإلغاء، أي للتقويم بشكل أعم.. كما أن المشكلة قد تكون في الخلط بين فلسفة ومنطلقات الرسالة الإسلامية، موضوع الدعوة وبين وسائلها وأوعيتها وتقنياتها، إن صح التعبير.
وعلى الرغم من بعض التداخل والتلازم والتجاور أحيانا، فالفلسفة والمرتكزات والأهداف والمنطلقات شيء، والخطط والبرامج والممارسات شيء آخر، حيث لا بد أن يسبق العلم (الفلسفة والنظر) العمل (التطبيق والبرامج والممارسة) ، ذلك أن الإصابة في العلم سوف تورث الإصابة والخلل في العمل والممارسة.
[ ص: 33 ]
وتبقى قضية على غاية من الأهمية في الحقيقة، وهي أن عدم استيعاب الصورة الكلية، أو التحقق بالرؤية الشاملة للخطاب الإسلامي في الكتاب والسنة، والقدرة على إدراك طبيعة هـذا الخطاب وتنوعه ومواصفاته لكل حالة يتعامل معها أو يعالجها، ويكون عليها المخاطبون، أدى إلى نوع من التفكيك والتجزيء والانتقاء والنظرة الذرية الجزئية، ومن ثم أوصل الكثير إلى غيبة التوازن وغياب ضبط النسب، وإدراك الحالات ومتطلباتها.. وكان من نتيجة ذلك، الارتكاز إلى بعض الجوانب أو الجزئيات أو الحالات التي استدعت الخطاب المناسب لها، وتعميمها على الخطاب كله، وعلى جميع الحالات التي يكون عليها المخاطبون بحيث لا يرى من الخطاب الإسلامي إلا لونا واحدا. ولا يخلو هـذا التعميم، الذي هـو أقرب إلى العامية أو عمى الألوان، من الكثير من التعسف والتكليف.
لذلك قد تغيب فكرة التدرج في الخطاب، أو قد يغيب تنوع الخطاب بين الدعوي والعقيدي والجهادي، فيعمل النسخ الذي يلغي أنماطا في الخطاب لا يمكن أن يقوم الإسلام ويبلغ بدونها.
وقد يحصل هـذا الخلل في منهج الرؤية والتعامل مع الخطاب الإسلامي في الكتاب والسنة، الذي هـو مصدر الاقتداء والاقتباس، نتيجة لممارسة ومحاولة المقاربة مع بعض الطروحات الوافدة الغالبة، ذات الأصول الفلسفية والدينية المختلفة، أو نتيجة رد فعل على رؤى جزئية حسيرة أخرى، تحاول أن تبرز وتغلب جانبا تربويا أو دعويا على آخر، فيفتقد
[ ص: 34 ] التوازن، كأن يبرز ويغلب جانب الترهيب والتخويف والإنذار، بعيدا عن فهم حال المخاطبين، فنخاطب المسلمين على ما يمكن أن يكون فيهم من النقص بصفات الكافرين والمنافقين، ونصب على رءوسهم من التخويف ما يقضي على كل أمل في النجاة والتوبة والأوبة.. وقد يكرس هـذا اللون من الخطاب الانحراف، حيث لا يبقى أمل في النجاة.. ويشتد الأمر خطورة عندما يكون الخطاب التربوي الإسلامي الترهيبي في سني الدراسة الأولى، غير متوافق مثلا مع عمر الطلبة العقلي، فيحدث لهم كوابيس وقلقا نفسيا واضطرابا سلوكيا، يقضي على اطمئنانهم، بدل أن يهب لهم سكينة النفس، وبشارة التفاؤل، وابتسامة الحياة.
أو كأن تغلب حال الترغيب على الخطاب في بعض المواقع، التي لا ينفع معها إلا الترهيب والتخويف من النتائج والعواقب، نتيجة التفريط والفسوق واستنفاد وسائل الترغيب.. وأعتقد أن الاتجاه إلى العدول عن الترهيب بإطلاق، لا يصلح وسيلة تربوية، لكل الحالات، إضافة إلى أن غياب الترهيب والشدة عن مواطنها المطلوبة، وبأقدارها المحسوبة، يوصل إلى نوع من الرخاوة والاستهتار.
والمعروف حضاريا أن الذين يحرمون من نماذج التحدي والاستفزاز والظروف الشديدة والبأس والرهبة، ويعيشون حياة الدعة، وينشأون في الحلية، هـم في نهاية الأمر شخصيات هـشة رخوة هـلامية غثائية لا تثبت، سريعة العطب والانكسار، وعدم الاستقرار، والعجز عن التعامل مع
[ ص: 35 ] الظروف.. لذلك تمثل حالهم مرحلة ما قبل السقوط الحضاري، أو نهاية الدورة الحضارية (مرحلة اللذة) .. والناظر في تاريخ النبوة وقيام الحضارات الإنسانية، يرى أن ظروف النشأة وإقامة البناء، مرت بظروف صعبة من الصبر والتحمل والتضحية والخوف أهلت لبناء الحضارة، حتى لقد اعتبر بعض علماء الحضارة أن التحدي والخوف والاستفزاز هـو المهماز والاطمئنان الكاذب، وعدم أخذ الحذر.. لكن تبقى المشكلة، ليست في خطاب الترغيب والترهيب، وإنما بكيفية التعامل مع كل حالة وما يناسبها، بعيدا عن التعميم أو عن العامية في التعامل.
ولو قمنا بشيء من الاستقراء والمقارنة لبعض الحالات، من اتساع مظاهر السفه والفجور التي نشهدها، أدركنا النذر الخطيرة لغياب تربية الترهيب، حيث يوجب العالم وبعض المجتمعات الإسلامية ولو بشكل بسيط، طوابير من المستهترين بقيم المجتمع من البوهيميين والجانحين، الذين يكسرون الموازين، وينغصون على الناس حياتهم:
" ومن أمن العقوبة أساء الأدب " .
وتبقى القضية كالدواء تماما، الذي يتطلب تحديد المرض بدقة، ومن ثم اختيار الدواء المناسب لهذا المرض، وقد يكون مرا:
" ومن السموم الناقعات دواء " .
ويبقى المطلوب توخي الحكمة وحسن التقدير لموافقة الخطاب لمقتضى
[ ص: 36 ] الحال، وهذا تعريف البلاغة كما حدده العلماء، أو كما قال الشاعر:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر كوضع السيف في موضع الندى
وبعد:
فلعل من بشائر الخير وبصائر الحق للمستقبل، أن يبدأ التفكير في إخضاع الخطاب الإسلامي المعاصر للدرس والفحص والاختبار والتقويم والمراجعة والنقد، وبدء مرحلة التفكير الاستراتيجي – إن صح التعبير – والمشكلات المطروحة، والعواقب والتداعيات المترتبة، والأبعاد القريبة والنتائج البعيدة، والاحتمالات المتوقعة، والتجارب المماثلة، واستشراف التاريخ، مصدر الفقه الحضاري الحقيقي، أو المصدر التطبيقي لفقه السنن الفاعلة في الأنفس والآفاق.
ويأتي هـذا الكتاب محاولة طيبة في مجال التقويم والمراجعة، حسبها أنها ساهمت بفتح الملف الكبير ( الخطاب الإسلامي المعاصر ) ، وألقت عليه بعض الأضواء الإضافية، وقدمت رؤية واجتهادا فكريا في مرتكزاته ومواصفاته، في ضوء هـدايات الخطاب الإسلامي في الكتاب والسنة.
وملف الخطاب الإسلامي المعاصر، ملف كبير مفتوح، كما هـو معروف، يستدعي باستمرار المراجعة والنظر والتأمل والتقويم، في الوقت
[ ص: 37 ] الذي ذهب كثير من المسلمين، نتيجة لظروف موقوتة وأزمات معينة ومقاربات مقصودة، إلى قراءة النصوص الإسلامية في الكتاب والسنة بأبجديات خاطئة، والانتقاء منها من خلال مقارباتهم مع الفكر الآخر أو من خلال أزماتهم.
ونخشى أن نقول: إن فكر الأزمات، والحالات الخاصة التي يعانون منها، إذا تجاوز مربعه وظروفه وزمانه، قد يؤدي إلى اختلال النسب، وشيوع أزمة الفكر، وما ينتج عنه من خطاب دعوي وتربوي وعقيدي وفكري وسياسي وثقافي، أو بعبارة مختصرة: يترك بصماته ومنعكساته على الخطاب الدعوي بشكل عام، الأمر الذي يتطلب باستمرار التأمل والنظر والضبط المرجعي الشرعي، واستقراء الحالات المماثلة في الخطاب الإسلامي في الكتاب والسنة، وكيفيات التصويب والعلاج، لإعادة حالة التوازن الغائبة إلى الخطاب الإسلامي المعاصر ، بحيث يبقى المعيار لكل إنتاج فكري أو ثقافي هـو الكتاب والسنة والسيرة النبوية، وليست اجتهادات البشر كائنة ما كانت.
والله من وراء القصد.
[ ص: 38 ]