التدرج في التطبيق
غاية الدعوة العاجلة: أن يرى الإسلام في واقع الناس تطبيقا وممارسة، لتنتقل الأمة من أدوار التشريع إلى مرحلة الشروع، ومن تقرير الأحكام إلى الاحتكام بها، ومن تبليغ مبادئ الإيمان ومعانيه إلى تصديقها، والتحلي بها، والإحياء على تفاصيلها. [ ص: 137 ]
والأمة بعد ضياع الخلافة -الراشدة والمسترشدة- منها، وتفتتها إلى دويلات، ارتبطت بالأرض والجنس والقومية، منجزمة عن الإيمان وروابط الإسلام وغاياته، وقد أزاحت الشريعة من منصة الحكم، ومجالس السياسة، ومشروعات القوانين، ابتعدت بذلك كل البعد عن حقيقتها وذاتها.
فإذا استيقظوا وصحوا بعد السبات، يريدون أن يزيحوا غشاوات الجاهلية، التي كادت أن تستوطن الأمة، وتسري في أحشائها (!) لا شك أنهم سيواجهون بعراقيل وعقابيل تقعد بهم دون المراد أول الأمر، وتتكشف لهم من سوءات الجهل والتيه ما يعسر سترها ويصعب إخفاؤها، ومن الأدواء والعلل ما يشق على السراة توصيف الأدوية وتطبيبها.. ودورات التجديد توقف امتداد التيه، وتنقذ الأمة من تمدد السفه بالرغبة عن الملة.
ولكن لا يتحقق إيقاف التيه الممتد، والسفه المتمدد بقرار سلطان أو صيحة مصلح، أو خطبة داعية مصقع مفوه، وإنما يقع ذلك ويتحقق على أيام وليال وشهور وسنين، يقلع جذر التيه ليلا، ليوضع بذر الحق أياما، وتزاح موائد السفه في كل يوم شبرا، لتعود موائد الحق على أيام وسنين، بجهود تتواصل، وتأصيل عليم، ومراجعة تطول.
وغير موفق من ظن إبدال الجاهلية المستحكمة بالإسلام الكامل في [ ص: 138 ] يوم وليلة، أو بوصول فئة من الصالحين إلى سدة الحكم ومواطن القرار، ولكن بقاعدة الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز : " إنما نميت في كل يوم بدعة ونحيي سنة " ، حتى يستكمل التنزيل والتطبيق والعودة والبناء، وما انهدم على قرون لا يكتمل بناؤه على أيام.
التالي
السابق