عبد الحميد بن باديس وجهوده التربوية

مصطفى محمد حميداتو

صفحة جزء
الباب الأول العوامل والقوى المؤثرة في فكر ابن باديس

الفصل الأول المجتمع الجزائري في عصر ابن باديس

العرب والبربر في الجزائر

إن البربر شعوب متعددة القبائل، تنتهي في رأي النسابة إلى جذرين أصليين: (البرانس) و (البتر) >[1] ، وينتهي البرانس والبتر معا إلى (مازيغ ابن كنعان، من نسل حام بن نوح ، عليه السلام >[2] ، ويذكر ابن خلدون أنهم -البربر- من بني بر بن قيس بن عيلان >[3] ، وهي قبيلة مضرية، فهم إذن ساميون عرب >[4] ، وكان دينهم دين المجوسية >[5] ومع وصول قوافل العرب الفاتحين في القرن الأول الهجري، بدأ المغاربة يدخلون في دين الله أفواجا، وكان لهؤلاء الفاتحين الأوائل، أمثال عقبة بن نافع وأبي المهاجر دينار ، دور عظيم في نشر الإسلام في تلك الربوع، [ ص: 43 ] (كما ترك موسى بن نصير سبعة عشر فقيها بالمغرب، وأرسـل عمـر بن عبد العزيز رضي الله عنه بعثة إلى المغرب تضم عشرة من فقهاء التابعين) >[6] وقد ثبت الأمازيغ على عقيدة الإسلام بعد فترة قصيرة من الزمن، فما كاد ينتهي القرن الأول إلا وهم ثابتون على عقيدة الإسلام.

وما الجهـود التي قدمهـا (البربـر) في فتـح الأندلس بقيـادة طـارق ابن زياد البربري ، إلا دليل على وجود مد إسلامي قوي بينهم >[7] . وامتزج العرب والبربر مع مر القرون، وتكون منهم جنس، أمه الجزائر وأبوه الإسلام، كما يحلو للإمام ابن باديس أن يصفهم، إذ يقول: (إن أبناء يعرب وأبناء مازيغ، وحد بينهم الإسلام منذ بضعة عشر قرنا، ثم دأبت تلك القرون تمزج بينهم في الشدة والرخاء، حتى كونت منهم منذ أحقاب بعيدة عنصرا مسلما جزائريا، أمه الجزائر وأبوه الإسلام) >[8] وقد أقبل البربر على دين الله، وتشربوا وأشربوا حبه، وتثقفوا بثقافته، وتحصنوا بعقيدته، فأصبحوا ركنا من أركانه يذودون عنه باللسان والقلم والسيف.

واليوم لا يمكن التمييز بين هـاتين الطائفتين أبدا، فلا طرائق المعيشة ولا اللغة يمكن أن يستخلص منها أساس لمثل هـذا التمييز، ناهيك عن عقيدة التوحيد التي ألفت بين قلوبهم. [ ص: 44 ]

ولقد اتضحت آيات اتحادهم جلية، وبرهن الشعب الجزائري في أحلك الأوقات أنه شعب واحد، لا يرضى بغير الإسلام دينا، فهب منذ وطئت أقدام المستعمر بلاده يقاوم ويحارب جحافل الغزاة.

وعلى الرغم من أهمية الإحاطة بالحالات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الجزائري، التي مهدت لظهور الحركة الإصلاحية، إلا أننا سوف نركز على الحالة الثقافية والفكرية، لأنها الصورة الأكثر دقة وتعبيرا عن الواقع بكل أبعاده تقريبا.

التالي السابق


الخدمات العلمية